بقلم : كاظم فنجان الحمامي …
أغرب ما شهده البرلمان العراقي في دورته الثالثة وقوف النائب (ميم) في المركز الإعلامي ليعبر عن تحامله على السومريين، رافعاً عقيرته بالصياح، مرددا بانفعال هذه العبارة: ((لقد مللنا من السومريات والفنجانيات))، وذلك ردا على كتاباتي ومحاضراتي التي تحدثت فيها طويلا عن حضارتنا السومرية الضاربة في أعماق التاريخ. .
ليس في حضارتنا القديمة ما يستفز هذا النائب، والنواب الذين كانوا يصطفون وراءه ويتضامنون معه في إعلان العداء للسومريين. .
وشتان بين شطحات النائب (ميم) والجهود المضنية التي بذلها العالم البريطاني (ايرفنغ فينكل Irving Finkel)، الذي أفني أكثر من عشرين عاما في فك شفرة اللوح السومري، الذي كان يحوي على بيانات في غاية الأهمية عن سفينة سيدنا نوح وملحمة الطوفان. ويحوي أيضاً على مواصفات السفينة، ومن الطريف أن اللوح يتناول طريقة صعود الحيوانات على متنها من كل زوجين اثنين. .
ثم اشترك هذا العالم مع مجموعة من العلماء الهنود والبريطانيين في اعادة تصميم نموذج مصغر للسفينة التي خاضت غمار الطوفان، واعتمدوا في تصوراتهم على الأبحاث العلمية والأدوات والتقنيات البسيطة الموجودة في بلاد ما بين النهرين. .
يعمل هذا العالم الآن كمساعد في قسم النصوص واللغات والثقافات لبلاد الرافدين القديم ، حيث يتخصص في النقوش المسمارية على ألواح الطين من بلاد ما بين النهرين القديمة. ومن ضمنها هذا اللوح المحفوظ الآن في خزانات المتحف البريطاني وسط العاصمة لندن، وهو بحجم اليد. ولو كان في متناول يد النائب (ميم) لكان مصيره في قعر النهر. .
فالأمة التي لا تعرف تاريخها لا تحسن صياغة مستقبلها. ولا خير بمن يتنكرون لتاريخهم، ويتركونه لقمة سائغة لأعدائهم، ويسعون لطمسه وتشويهه. .
هنالك ثغرات مخجلة في بناءنا المعرفي، ولعل من أهمها: إهمال تاريخنا المشرف، والتقصير الواضح في التعرف عليه، ولا سيما مراحله السومرية والبابلية والآشورية والكلدانية والأكدية. .