بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
لقد تحدثنا في مقالة سابقة عن الغموض الذي ظل يكتنف مواد وبنود معاهدة بورتسموث، وسر اختفاءها من المكتبات العراقية، وفي خضم مواصلتنا البحث والتفتيش عن خباياها، وقعت بين أيدينا نسخة (pdf) من الكتاب الموسوم (إنجازات العراق الدبلوماسية أثناء العهد الملكي 1921 – 1958) من تأليف الدكتور (مأمون أمين زكي)، حيث وردت إشارات واضحة في الصفحة (202) وما بعدها، حول المادتين (3) و (4)، جاء فيها:- (هاتان المادتان استفزتا القوى الصهيونية في انكلترا وأمريكا والاتحاد السوفييتي والبلاد العربية، وبدأت الهجمات تتكثف ضد معاهدة بورتسموث لأنها تدعو إلى تأسيس مجلس عسكري للدفاع المشترك بين دولة عظمى وهي بريطانيا، ودولة عربية في العراق، مما يتنافى مع فكرة خلق دولة إسرائيل، كما أن المعاهدة تهدف إلى استلام الجيش العراقي مهام إدارة الشؤون الفلسطينة، وبقية المواقع العسكرية في الشرق الأوسط، بدعم من الجيش الانكليزي).وذلك في الوقت الذي كانت فيه عصابات الهاغانا (جيش الدفاع الإسرائيلي) تتهيأ لملئ الفراغ واحتلال فلسطين بعد رحيل بريطانيا من فلسطين، وهكذا تبدو الأهمية التاريخية لهذه المعلومات، والتي كانت ستبدل مصير الشرق الأوسط برمته لصالح العرب. كما يتبين أيضا وبعد الاطلاع على الملابسات التي أحاطت بتوقيع المعاهدة، بأنها قد وقعت من قبل قوى داخل الدولة البريطانية، كانت تحاول الوقوف ضد المشروع الصهيوني حرصاً على مصلحة بريطانيا، ولاعتقادها بأنها على المدى البعيد، فإن علاقة بريطانيا يجب أن تكون مع البلدان العربية بنفوسها العديدة، وأراضيها الواسعة الغنية بالمصادر الاقتصادية الحيوية، ولموقعها الاستراتيجي المهم في السياسة الدولية. .كانت الأوساط السياسية في بريطانيا – البلد الذي أطلق وعد بلفور الكارثي، والذي أصبح الأساس لخلق دولة إسرائيل – في تلك الفترة مقسومة إلى فريقين : الفريق الأول مناهض للمشروع الصهيوني، ويعتبره مهددا لمصالح الإمبراطورية البريطانية، وينادي بالاعتماد على ما كان يدعى بالأوراق البيضاء (White Papers)، أو الكتاب الأبيض (White Book) الذي صدر عام 1939 والذي قيد هجرة اليهود إلى فلسطين، ويهدف إلى جعل فلسطين تحت حكم العرب، وأعطى اليهود حكما وحرية التعبد، وقد كان وزير خارجية بريطانيا (ارنست بيفن) على رأس هذه المجموعة. أما الفريق الآخر فقد كان تحت السيطرة الصهيونية بزعامة (ونستن تشرشل)، الذي كان يكره العرب، وينعتهم بشتى النعوت، ويتهمهم بالتعاون مع ألمانيا النازية. .أما المجموعة التي عارضت المشروع الصهيوني فكان على رأسها السير رونالد سترورس (Sir Ronald Strorrs)، وهو سياسي وإداري كبير، خدم الامبراطورية كحاكم في عدة مناطق من القارة الإفريقية والشرق الأوسط، وأصبح أثناء الحرب العالمية الثانية حاكماً للقدس، وكان يكره لليهود. وقد ترأس (سترورس) مجموعة من العناصر التي وقفت ضد مطامعهم وتهديداتهم، وعارضوا هجرتهم إلى فلسطين، وتمسكوا بتعاليم الكتاب الأبيض مخافة تكوين أكثرية يهودية هناك. ولم يكن موقفهم صادرا عن مجرد التأييد المخلص لحق العرب، بل إنهم كانوا جميعا مخلصين للإمبراطورية البريطانية، فقد أرادوا الحفاظ على مصالحهم الوطنية في البلاد العربية. . .ختاماً، وحفاظا على الأمانة العلمية، والتزاماً بحقوق النشر، لابد من الإشارة إلى ان معظم ما ورد هنا مقتبس من كتاب الدكتور (مأمون أمين زكي)، الذي ورد ذكره في الأعلى. وبالتالي نجد انفسنا امام مواقف سياسية وشعبية مربكة وغامضة، ظلت بحاجة إلى التفسير والشرح والتوضيح والتحليل. .