بقلم: هادي جلو مرعي …
كان شعرها يتهادى مع الريح، وكان قميصها قصير الأكمام، تكاد تنكشف معالمها للناظرين، وكانت تبتسم وتطلق ضحكاتها في الهواء، بينما تنورتها الطويلة فكانت هي الأكثر إحتشاما رغم تحرشات الريح بها التي تحاول أن تكشف عن ساقين، حين نزلنا من السيارة وسط الفلوجة لشراء بعض الشاي والكعك بعد رحلة ليست ببعيدة من بغداد الى تلك المدينة المسماة مدينة المآذن التي تحولت بعد سنوات الى مدينة يرهبها العالم، وتحاك حولها الحكايات بمايشبه الأساطير في ظل وجود تنظيمات متطرفة، وجسر حديدي قديم علقت عليه جثث بعض الأمريكيين الذين رافقوا قوات الإحتلال، وقد قدمت تضحيات جسيمة في سبيل تحريرها وتأمينها من الجماعات المتطرفة التي صادرت عديد المدن قبل أن تسيل دماء العراقيين على ثراها وتتحرر من الموت والدمار، وتنتظر المزيد من العمران بجهود جبارة وصبر وحرص.
طلبت منها الإسراع في الصعود الى السيارة للحاق بالحافلة التي تكاد تصل الى بحيرة الحبانية التي تتوسط الصحراء على مسافة من الفلوجة، وكانت تضحك، وحين وصلنا كانت المياه تصل الى الشاليهات المصممة بطريقة رائعة، وكان الحصار مايزال يذبحنا، بينما قاسم السلطان يغني.
الماعنده منين يجيب ياخلك الله.
ولم يكن من أمل فالحصار يجثم على الصدور، وبينما كنا نقترب من ساحل البحيرة المترامية ارعبني منظر افعى منسابة عرفت بعد 25 عاما وفي زيارتي الثانية إنها ليست خطرة !!
بعد عقدين ونصف لاتبدو الحبانية بحال جيدة، وتحتاج الى أن تعرض للإستثمار، فهي قريبة من الفلوجة والرمادي والخالدية، ولاتبعد كثيرا عن العاصمة بغداد، لكن المدهش إن الفلوجة مختلفة عنها في التسعينيات، فهي ناهضة جميلة، وشوارعها نظيفة، وتتسع للسيارات الكثيرة والزحام، ومطاعمها نظيفة وراقية، وزبائنها كثر، وقبل أن تصل الى مركزها تطالعك مجمعات سكنية تربطها بالمدينة طرق حديثة، وهناك بعض المصانع ومشاريع كليات ومراكز وأحياء سكنية، وتستقبلك ببعض المجسرات الفخمة التي تربط المدينة بماحولها من طرق جانبية تمر بإتجاهات عدة، وتمضي بإتجاه بغداد، وبعض النواحي المتصلة بها كعامرية الفلوجة والكرمة، وصعودا نحو الرمادي، والى مدن الغرب القصية .
الفلوجة مختلفة بالفعل، وانيقة، وهي تنقسم الى صوبين غرب وشرق نهر الفرات، ومايزال الجسر الحديدي قائما تزينه الأضواء الباهرة ، بينما المقاه والمحال التجارية تستقبل زبائنها حتى وقت متأخر من الليل، ولكن الجيد أكثر أن قرى ومناطق سكنية تمتد خارج المدينة تحيطها أشجار النخيل والمزارع والبيوت الفارهة، وقد جرى تعمير مادمر من بيوت ومبان تعرضت الى الخراب من سنين خلت.