بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
باشرت سفن الحفر العراقية عملها في خور عبدالله قبل منتصف القرن الماضي، وعلى وجه التحديد قبل المباشرة بتنفيذ مشروع ميناء أم قصر، وكانت الفرق العراقية المكلفة بالمسح الهيدروغرافي، والمكلفة أيضاً بنصب الفنارات وتثبيت العلامات والاشارات الملاحية، تعمل وحدها ليل نهار في خور عبدالله، ولم يكن للكويت أي تواجد في هذه المنطقة سوى مخفر صغير يلوذ بصمت بين منعطفات خور بوبيان، وهو خندق مائي محصور بين جزيرتي وربة وبوبيان، وكانت للعراق وقتذاك فنارات ملاحية مثبتة فوق جزيرة وربة، وظلت مثبتة هناك منذ الستينات وحتى يومنا هذا ونحن في عام (2022)، بينما كانت السفن الأجنبية التجارية تتحرك بمرونة تامة بين أم قصر والبحر من دون أن تعترضها الزوارق الكويتية، التي لم يكن لها أي وجود في المنطقة. .
وواصل الجهد الهندسي والملاحي العراقي أعماله الخدمية في الخور على مدى العقود الماضية. وكانت لدينا (16) سفينة حفر حديثة، (ألمانية المنشأ من شركة OK وهولندية المنشأ من شركة IHC)، تعمل جميعها على مدار الساعة في تنفيذ عمليات التعميق والتوسيع المعتمدة وقتذاك على منظومة اللوران (LORAN) لضمان الدقة وتجنب الاخطاء المحتملة. .
ثم جاء القرار الأممي التعسفي رقم 833 سنة 1993 ليقتطع الخور ويقدمه على طبق مثقوب إلى الكويت. .
كانت قيادة القوة البحرية العراقية في تلك الحقبة المنسية تمتلك ثلاثة أرصفة في أم قصر، مخصصة لرسو سفنها وزوارقها الحربية، ولديها هناك رصيف رابع لتحميل الصواريخ، فجاء القرار الجائر ليصادر رصيفان من تلك الأرصفة إضافة لرصيف التحميل، ويصادر قاعدة الخليج العربي بمقراتها ومخازنها وساحاتها، والمثير للسخرية ان الجانب الكويتي الذي تعامل مع القرار الأممي بفرح غامر، لم يستخدم الأرصفة المصادرة حتى الآن، ولا حاجة له بها. .
تجدر الإشارة أيضا ان المسطحات التي استحوذت عليها الكويت في خور عبدالله هي القيعان الغنية بالثروة السمكية، التي اعتادت قوارب الصيد العراقية التجوال فيها، لكن الزوارق الكويت هي التي باشرت بشن غاراتها عليها، وهي التي اعتقلت الصيادين وزجت بهم في سجونها بتهمة تجاوز الحدود، وكأنما التقاط السمكات هناك يضر بالاقتصاد الوطني الكويتي، وبإمكان أي مواطن مشاهدة زوارق الدورية الكويتية تسرح وتمرح الآن في منطقة بعيدة جداً عن المدن الساحلية الكويتية، ولا شك انكم سمعتم بالحديث المسجل الذي دار بين زورق الدورية الكويتي وربان سفينة الحفر (ذي قار)، في الوقت الذي كانت فيه سفينة الحفر العراقية مكلفة بتعميق الممر الملاحي الوحيد الذي تسلكه السفن الاجنبية التجارية المتوجهة الى موانئ أم قصر وخور الزبير. .
حتى المواطن الكويتي نفسه لا يصدق ما حدث، ولا يرضى بحرمان العراق من صيانة الممر الملاحي اليتيم الذي ترتبط به موانئه. .
وحتى الفضائيات العراقية لم تنقل تلك المنغصات ولم توثقها، ثم قضت الأوامر الصادرة من الباب العالي بسحب سفن الحفر العراقية نحو خور الزبير، وارغامها على ترك العمل والتقوقع في الداخل. .
ولهذا الحديث المؤلم بقية في الاجزاء القادمة إن شاء الله. .