بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
على الرغم من تعدد الفضائيات عندنا، وتكاثرها بالانشطار، وتمدد ساعات عملها في الليل والنهار، لن تجد الآن فضائية واحدة تبث أغنية وطنية، ولا ترنيمة شعبية واحدة، ولا حتى مقطعاً موسيقياً قصيراً يثير حماس الشباب، ويرفع معنوياتهم، فجهود الفضائيات كلها مكرسة هذه الأيام للتسقيط والضجيج والإثارة والتشويش على الرأي العام. وبث برامج التسفيه ونشر ثقافة التفاهة، حتى صرنا نسمع أغانينا الوطنية من راديو الجيران. . .
فالفضائيات العراقية لا وقت لديها للتغني بالوطن، ولا تهتم بالأناشيد الحماسية. .
اذكر (من نافلة القول) ان الشاعر المبدع كاظم الزهيري اهدى عملا متكاملا بعنوان (سلاما)، من كلماته، والحان الفنان كاظم فندي، وغناء الفنان كريم منصور، قدمه بلا مقابل إلى الفضائيات العراقية، لكن إداراتها لم تكن متحمسة لهذا النوع من الأعمال، ولم يتم بث الأنشودة إلا مرة واحدة فقط من إحداها. .
كان الشعراء والملحنون والمنشدون يتنافسون على كتابة الأغاني الوطنية للتعبير عن انتماءهم للعراق، وكانوا يتلهفون للمشاركة فى المهرجانات السنوية، وكانت أناشيدهم قوية ومعبرة، ولكن فى الوقت الحالى لا توجد أغانٍ معبرة، تؤثر فى المواطنين، وتثير فيهم الحماس. .
اشعر بحزن عميق على غياب الأصوات التي من المفترض أن تتغزل بالوطن، فقد اختفت وتلاشت بانحسار الدعم الحقيقي، في حين انتعشت في دول الجوار، وعادت بقوة إلى الواجهة، لتفرض نفسها على الشوارع والميادين والشاشات العامة، بعد أن تراجعت عبر سنوات طويلة، وفقدت الكثير من حضورها، لكنها استعادت بريقها من جديد، واكتسبت شحنات مضافة. .
ويأتي السؤال: لماذا نفتقد الآن نشر الوعي الوطني عبر الموسيقى والأغنية ؟، سيما ان الأهازيج هي الشعب في جوهره، وفي مسيرته، وفي استمراره التاريخي، حيث يصبح الوطن حاضراً في وجدان الشعب بترديدها، وتتحول فيها المشاعر إلى فعل سياسي. فأين هي الأغنية الوطنية الآن في فضائياتنا المئوية ؟. .
أذكر دائما قول أرسطو للاسكندر الأكبر: (يا بني عندما تدخل مدينة اسأل عن مؤلف أغانيها فهو حاكمها الفعلي). فهل العيب الآن في مؤلفي الأغاني أم في المنشدين والموسيقيين ؟. وهل صارت الأناشيد بلا قضية ؟. وهل اختفت مظاهر الاستماع في الوجدان العراقي ؟، وهل السلطة الحاكمة لها دور في تحجيم ومنع الأغاني الوطنية ؟. وهل غابت الأغنية الوطنية لأن نبض معنى الوطن سرقه لصوص تغييب الوعي؟. الجواب: كلا طبعا، فكل القصة وما فيها ان الأغنية الوطنية صارت من أذرع التصدي لبرامج الفضائيات الممتلئة بالإسفاف والتفاهة وقتل المشاعر الجماهيرية الصادقة. . .