بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
لهذا الموضوع علاقة مباشرة بالظروف القاسية التي يمر بها المتقاعدون في العراق. وقد اقتبست العنوان من رواية للكاتب الأميركي كورماك مكارثي، حملت العنوان نفسه: لا وطن لكبار السن (No country for old men)، وتحولت الرواية فيما بعد إلى فيلم حصد 4 جوائز أوسكار، ووصفه الناقد ديفين فاراتشي بأنه: (فيلم لا تشوبه شائبة تقريبا، فالشخصيات رشيقة، وكل مشهد مكتمل تماماً بذاته، ولحظات التشويق آسرة، وإن كانت آخر 20 دقيقة تعد أعجوبة قد يصعب على معظم المشاهدين فك رموزها). .
تجدر الإشارة إلى ان وقائع الفيلم لا علاقة لها بمأساة المهمشين في اوطانهم، لكننا اخترنا عنوان الرواية فقط، فالذي يهمنا هنا هو غربة المتقاعد العراقي، فهو لا يحتاج لندوات عن التربية الوطنية، وإنما يحتاج لمن يسترجع ثقته في هذا الوطن، تلك الثقة التي فقدها منذ اليوم الذي أجبروه فيه على مغادرة عمله عنوة قبل بلوغه السن القانونية، ومنذ اليوم الذي حرمته وزارة المالية من الاقتراض من صندوق الإسكان، وتعاملت معه وكأنه سلعة مستهلكة في طريقها إلى القبر، ولا جدوى من تسليفه. . فالمتقاعد في نظرها من الموتى الأحياء، فوزارة المالية التي لم تستطع الحفاظ على الأمانات الضريبية من النهب الشامل، تلجأ لتضييق الخناق على المستضعفين بذريعة الحرص على المال العام. ولسنا هنا بحاجة للتذكير باعترافات وزير المالية المستقيل (علي علاوي)، عن تفاصيل السرقة التي وصفت بأنها (سرقة القرن) والمتمثلة بسحب مبلغ 3,5 تريليون دينار من أمانات هيئة الضرائب. اما بخصوص تسليف المتقاعدين وكبار السن فقد صدرت ضدهم تعليمات لا تعرف الرحمة، قضت بحرمانهم من الاقتراض، على الرغم من عدم وجود فقرة قانونية واحدة بهذا الخصوص. فالقوانين النافذة أرحم مليون مرة من القرارات الارتجالية للوزارة التي كانت السبب في الحاق الأضرار النفسية والمعنوية بالمواطن الذي كرس حياته كلها في خدمة بلده. .
ولو فتشنا في القارات كلها لما وجدنا دولة واحدة تعاملت مع متقاعديها مثلما يتعامل العراق منذ سنوات مع الفقراء وذوي الدخل المحدود. .
فاتني ان اذكر ان المتقاعد الذي يبحث عن قروض صندوق الإسكان يرهن بيته لضمان تسديد الدفعات المترتبة عليه. لكن وزارة المالية تريد شهادة رسمية صادرة من العالم الآخر بتوقيع عزرائيل تؤكد على إعفاء طالب القرض من الموت لحين تسديد كامل المبلغ. .
ولله في خلقه شؤون