بقلم : فالح حسون الدراجي ..
مرّت قبل أيام، مناسبة جميلة كثيراً ما نحتفل بها جميعاً نحن أبناء الماء والطين والقصب، كوننا ومنذ ولدنا نعيش متحابين مع جميع مكونات الشعب العراقي ونعتبر مناسباتهم هي مناسبات جماعية، وتلك المناسبة هي (عيد الإزدهار) عند أخوتنا الصابئة المندائيين، وبهذه المناسبة، تذكرت حواراً لي مع أحد الأصدقاء حيث التقيت قبل فترة بصديق من الأحبة الصابئة، وبعد التحية والسلام، سألته عن أخبار اهله في العراق؟
فقال بألم: يا أخبار خويه أبو حسون، هو شظل منهم بعد.. ؟
ثم أكمل قائلاً:
-وداعتك ما بقه منهم غير القليل جداً..
فشعرت بأسى ووجع حقيقي لهذا القول المفجع.. وتذكرت في الحال أحبتنا وأصدقاءنا المندائيين الذين قضينا معهم أحلى سنوات العمر، تذكرتهم واحداً واحداً.. ورحت أتخيل المشهد، وأفترض -حسب ادّعاء صديقي أمس -أن الصابئة جميعاً أقفلوا أبوابهم في العراق، واغتسلوا الاغتسال الأخير في (دجلة الخير)، ومضوا يبحثون في ارض الله الواسعة عن وطن بديل، وطن ليس فيه كاتم صوت ولا خطف، ولا تفجير، ولا تسليب، ولا تفرقة وتمييز طائفي وديني -لا اعرف كيف نضمن سلامة الصابئيين في العراق، إذا كان المسلمون أنفسهم يُقتلون أيضاً ؟
نعم، سأفترض هجرتهم الكاملة عن العراق، لكن -وأنا في سكرة التخيل -سألت نفسي، وقلت: ماذا لو أصبح عدد الصابئيين في العراق صفراً، وراح العرسان العراقيون من المسلمين وغير المسلمين، يبحثون في أسواق العراق عن (الخَشِل)، فلا يجدون فيه ذكراً لإبداعات الصاغة الكبار (زهرون بن ملا خضر وحسين زهرون، وعنيس الفياض، وناصر ومنصور حاتم، وعبد سكوت، وبدن خضر، وكريم النشمي، وياسر صكَر، وزامل وضامن حويزاوي وسعد رهيف وحامد عبد الرزاق رويد وأخوته)، أو لا يجدون شيئاً من ابداعات نصير شميل وأخوته الصاغة المبدعين، وكيف سيكون حال الذهب لو هجره (اسطوات) الذهب في العراق؟
وكيف سيكون حال القصيدة الشعرية النسوية في العراق لو لم تكن مطرزة بشاعرية الأميرة الصابئية الراحلة لميعة عباس عمارة ؟
وكيف ستأتي القصيدة الشعبية بدون (نوابها) الشاعر المندائي همام عبد الغني وصديقنا الشاعر قيس السهيلي؟!
وهل سيخرج المبدع قاسم حَول بعربة (الحارس) دون أن يكون معه في الصدارة الفنان الصابئي مكي البدري، وهل ستكتمل الصورة الزاهية للفن العراقي يا ترى، بدون إشراقات الفنانين المندائيين أمثال الفنان (أزهر جبار الخميسي والراحل أسمر زهرون والراحل غالب ناهي، والراحل قيس حاضر، والفنانة سوسن سلمان سيف، والفنانة اشراق عريبي وسلام الصگر)، وبين هذه الأسماء يلمع اسم الفنان حكمت السبتي، كواحد من الأصوات الوطنية الشامخة، والملحن والمطرب التقدمي عدنان السبتي، وهل ثمة معنى للتشكيلة الفنية الباهرة في المنافي، ومثال على ذلك (منفى) مدينة ديترويت الأمريكية، لو لم يجمّلها اللون المندائي، ويعطّرها أريج الإبداع الصابئي الذي يفوح دائماً من إبداع الشاعر الدكتور قحطان المندوي، وفنون وإبداع الأخوة الثلاثة نشأت، وطلعت وسمير؟!
أو جمال الابداع المندائي في السويد الذي يضم الكثير من الجمال العراقي والعطاء الوطني بقيادة الشخصية الوطنية فلاح الحيدر، شقيق الشهيد الخالد ستار خضير، او تلك المنجزات التصويرية الباهرة التي يحققها المبدع الثر لؤي عزام واشقاؤه، او نشاطات الشاعر يحيى الأميري سواء في كتابة النص الأدبي، أو في التدوين التاريخي لإبداعات الطائفة المندائية..
لذا، أدعو العراقيين – شعباً وحكومة- الى حماية الصابئة داخل العراق وخارجه -والحفاظ على (برحي العراق)، لأن طعم الحياة في العراق سيكون مراً حنظلاً بدونهم لا سمح الله..