بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
نشعر بالحزن والأسف عندما ترتكب الشعوب الأخطاء التاريخية نفسها، على الرغم من تكرار صورتها النمطية التي استغفلت عقول أسلافهم. .
لسنا هنا بصدد استعراض الاخطاء التاريخية التي لا تُغتفر، والتي تناولها (ايمن ابو الروس) في كتاب من تأليفه، فتلك الاخطاء وقعت لمرة واحدة، واقتصرت على الهفوات الحربية والسياسية. اما الموضوع الذي نتكلم عنه فله علاقة بالعثرات المتكررة بالطريقة نفسها، والاسلوب ذاته، وفي ظروف متماثلة راحت ضحيتها شعوب وقبائل تنتمي إلى طائفة بعينها، واغلب الظن انهم سيواصلون ارتكاب الاخطاء نفسها حتى لو تكررت ملايين المرات. .
قبل بضعة أيام كنت اتابع حديث الدكتور حميد عبدالله في برنامجه: (تلك الأيام) عن اشتباكات الزرگة، وحركة جند السماء، ومؤسسها ضياء عبد الزهرة الگرعاوي، الذي زعم انه الإمام المهدي المنتظر. تلك الحركة المريبة، التي أربكت المشهد الشيعي برمته. فقد ظلت هذه الحركة تستمد خصوصيتها في الخفاء من الغموض الذي يحيط بتوقيت ظهورها وبمؤسسها الگرعاوي. لكن الأهم من ذلك كله هو كيفية نشوء هذه الحركات المتكررة ووسائل كسب الأتباع، وتأثرهم بها، على الرغم من تكرار ادعياء المهدوية الذين ظهروا حديثاً في أنحاء شتى من العالم الإسلامي: فقد ظهر أحدهم في تهامه باليمن سنة 1159، وادعى أنه الإمام المنتظر وتبعه فريق من الأعراب، وخرج رجل عام 1578 في مصر مدعيا المهدوية، وهو من مواليد طرابلس، وخرج الميرزا غلام أحمد القادياني سنة 1726 من البنجاب بالهند،
وخرج علي محمد الشيرازي المولود في إيران عام 1819 والمعروف بالباب، حيث ادعى في البداية أنه باب المهدي المنتظر، وظهر آخر في السنغال سنة 1828 وادعى أنه المهدي المنتظر، وخرج محمد بن أحمد سنة 1844 من السودان، وهو من قبيلة الدناقلة، وخرج آخر في الصومال سنة 1899 وادعى أنه الإمام المنتظر، وظهر العشرات منهم بين الاعوام 1980 – 2022. وفي كل مرة يلتف حولهم الأتباع والمريدون، ويتطوع الآلاف للقتال والموت بين أيديهم، ولازلنا نسمع بين الفينة والأخرى عن أشخاص يزعمون في مجتماعتهم أنهم المهدي المنتظر. الذين يمكن تصنيفهم إلى ثلاث فئات:-
- إما أن يكون المدّعي مريضاً نفسياً أو عقلياً. .
- أو من المشعوذين والمحتالين. .
- أو من المرتبطين بالمنظمات الظلامية. .
ختاماً نقول: لقد تسببت حملات التجهيل في إرباك عقول الناس بإغراقهم بالمعلومات المتضاربة، والإشاعات المصنوعة بعناية لتؤدي أغراضاً محددة، وتشتت الانتباه عن القضايا المصيرية؛ عبر اختلاق قضايا هامشية وتضخيمها وفرضها على الساحة، لينصرف إليها الاهتمام والتركيز، وتغيب بين ثناياها القضايا المصيرية للمواطن، وكل ذلك يجري وفق خطوات وإجراءات ممنهجة تكون حصيلتها النهائية تجهيلاً للعقول وتزييفاً للوعي. .