بقلم :- الباحثة الاقتصادية زهراء حيدر البطاط ماجستير سياسة نقدية ومالية ..
شھد الاقتصاد العراقي اتساعا ملحوظا في استخدام الدولار الأمريكي مطلع التسعينات من القرن الماضي ، كنتيجة طبيعية لعدم الاستقرار النقدي والاقتصادي الناجمة بشكل اساسي من حالتي الحرب والحصار الاقتصادي اللتين مر بھما العراق ، والتي قادت الى اثار سلبية خطيرة على مجمل المتغيرات الاقتصادية والتي من ابرزها سعر الصرف ، الذي تسبب تراجعه بمستويات كبيرة جدا الى اهتزاز الثقة بالدينار العراقي ، وبالتالي التوجه نحو استخدام الدولار كعملة بديلة للمحافظة على القيمة الحقيقية للثروة من التقلبات التي قد تنشأ في حالة الاعتماد على الدينار العراقي .
وعلى الرغم من رفع حالة الحصار الاقتصادي عن العراق وتبني البنك المركزي العراقي لسياسة نقدية قائمة على دعم سعر صرف الدينار العراقي والمحافظة على مستويات صرفه عند الحدود التي يقررها البنك ، الا ان ظاهرة الطلب على الدولار الامريكي لا تزال موجودة ، وان كانت باتجاهات مختلفة عن السابق .
وتعد ظاهرة الطلب على الدولار من ابرز التحديات التي تجابه السلطات النقدية في العراق ، كونھا العامل الاساسي المساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي من عدمه ، وهذا يفرض على السلطات النقدية التعامل الجاد مع هذه الظاهرة ، بما يضمن توفر بيئة اقتصادية ونقدية تھيئ الارضية المناسبة لتحقيق التنمية الاقتصادية .
حيث شھدت أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي اليوم ارتفا ًعا في السوق المحلية.
وشھدت الأسواق العراقية صعودً ملحوظاً في أسعار المواد الغذائية، وتأتي هذه الزيادة بالتزامن مع التضخم الحاصل في الأسواق مع حالة الفقر المدقع التي تعيشھا الكثير من العوائل بسبب نقص فرص العمل والتوظيف في المؤسسات الحكومية.
وتسبب ارتفاع أسعار صرف الدولار في العراق بغضب شعبي واسع النطاق، لاسيما وأنه يتزامن مع أوضاع اقتصادية متردية وسيئة ووسط تفشي البطالة.
كذلك أثار هذا الارتفاع مخاوف من قبل الأوساط الرسمية والشعبية في العراق، بعد أن وضع البنك الفيدرالي الأميركي شروطاً رقابية مشددة تلزم نافذة بيع العملة بعرض قوائم بالدولار المباع تتضمن أسماء الأشخاص والجھات المستفيدة لبيان موقف البنك الفيدرالي من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب، وعدم ارتباطه بجھات خاضعة للحظر أو العقوبات الدولية من قبل الفيدرالي الأميركي، اذ عجزت السلطات الحكومية عن اتخاذ خطوات فعلية للحد من ارتفاع صرف الدولار، رغم أنھا أعلنت عن إجراءات بھذا الشأن.
الأسباب الحقيقية لارتفاع اسعار صرف الدولار وطبيعة عمل البنك المركزي العراقي وطبيعة عمل المصارف العراقية والاقتصاد العراقي .
في البدء أن هنالك قانون ينظم عمل البنك المركزي العراقي يسمى بـ ( قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004 ) وهذا القانون الذي ينظم طبيعة عمل البنك المركزي العراقي والذي يبين أن البنك المركزي العراقي هو سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية وهو الذي يدير السياسة النقدية في البلاد بالشكل الذي يساهم في تعزيز التنمية المستدامة وتعزيز اسعار الصرف في البلاد ويوفر مجالات العمل والتنمية المستدامة.
أما طبيعة الاقتصاد العراقي الآن يختلف عن الاقتصاد العراقي قبل التغيير آي قبل سنة 2003 ، الاقتصاد العراقي في السابق أقتصاد شمولي مركزي ، اي ان الدولة تسيطر على جميع مفاصل الاقتصاد الوطني وكذلك كان أشبه بأن يكون اقتصاد أشتراكي .
أما الدينار العراقي فكان سابقاً في السبعينات له مكانه دولية كبيره وله قوه اقتصادية واحتياطيات نقدية كبيرة ، حيث بلغت احتياطيات البنك المركزي العراقي لغاية الثمانينات 37 مليار دولار.
اذ اصبح الدينار العراقي يعادل ٣ دولار ولكن بسبب ممارسة النظام السابق والحروب العشوائية التي خاضھا العراق وكذلك بسبب دخول العراق للكويت كل هذا أدى الى انھيار الدينار العراقي.
بعد ذلك ظھرت العديد من العقبات التي واجھت الدينار العراقي نتيجة الحصار الاقتصادي ادت هذه العقبات الى تدهور معدلات سعر صرف الدينار بحيث أصبح الدولار يساوي 3000 دينار عراقي قبل سنة 2003 .
بعد التغيير أصبح لدينا دينار جديد بطبعة جديدة وهذا الدينار له مكانه اقتصادية كبيرة وله احتياطيات نقدية واحتياطيات من سبائك الذهب المودعة لدى المصارف الاجنبية ، بحيث بلغت احتياطيات البنك المركزي العراقي لغاية سنة 2022 حوالي 95-100 مليار دولار مودعة لدى
المصارف الاجنبية وهذا ادى الى تعزيز مكانة الدينار العراقي .
طبيعة الاقتصاد العراقي ( اقتصاد سوق ).
ان متطلبات اقتصاد السوق تتيح عملية التحويل الخارجي لكل شخص يمتلك الدينار العراقي بشكل مشروع بشرط أن يسلك الطريق القانوني الصحيح هذا ماأكدته المادة 28 من قانون البنك المركزي العراقي ، اذ بينت هذه المادة أنه يجوز للبنك المركزي العراقي وتنفيذاً لمتطلبات اقتصاد السوق أن يشتري أو يبيع العملات الاجنبية ،لصالح المصارف العاملة في البلاد والمجازة من قبل هذا البنك.
ان العراق كان يعاني من نوعين من التعويضات : –
النوع الاول:- هي تعويضات لصالح دولة الكويت حيث كانت تستقطع 5% من صندوق تنمية العراق DFI ( وهو الصندوق الذي تودع فيه مبالغ التحويلات المتأتية عن طريق بيع النفط للخارج ).
النوع الثاني :- مطالبة الدائنين للاموال الناتجه من بيع النفط العراقي والمودعة في الخارج .
ولما جاء أعلاه فأن هنالك حماية أممية على أموال العراق المودعة نتيجة بيع النفط للخارج في هذا الصندوق.
حيث أنتقلت حيازة هذا الصندوق من الامم المتحدة الى العراق بعد أن سدد العراق كافة المستحقات القانونية والمالية لصالح دولة الكويت .
وكان اكبر تعويض سدده العراق هو التعويض لصالح شركة البترول الكويتية نتيجة حرق الابار التي رافقت عملية دخول العراق للكويت ، اذ تم تسديد ملف التعويضات بالكامل في نھاية سنة 2022 .
اما مشكلة الاقتصاد العراقي تتمثل في انه اقتصاد ريعي قائم على النفط اذ لاتوجد روافد للموازنات العامة سوى النفط ، الذي يغذي حوالي 94% من قيمة الموازنات العامة وهو يشكل المصدر الرئيسي للاقتصاد العراقي ، اذ بلغت صادرات العراق النفطية ارقام كبيرة جداً.
حيث وفرت سيولة نقدية في نھاية السنة السابقة تقدر بحوالي 115 مليار دولار .
لكن المشكلة هي ان موازنات العراق هي موازنات تشغيلية كبيرة جداً.
لان العراق يتميز بأن لدية اقوى موازنة تشغيلة نتيجة ارتفاع موظفي العراق .
كانت الموازنة التشغيلية في سنة 2020 تقدر بحوالي 54 مليار دولار حجم رواتب الموظفين.
و في عھد حكومة الكاظمي أرتفعت الى 56-60 مليار دولار .
الآن يتوقعون أن تصل حجم الرواتب في ميزانية 2023 الى 65-68 مليار دولار.
وهذا الرقم يشمل تغطية رواتب جميع موظفي الدولة ، اذ ان القطاع الحكومي عدد موظفية يتجاوز ال 2 مليون موظف أما القطاع العسكري يتجاوز 1,750 مليون موظف ، أضافة الى المتقاعدين الذين يبلغون حوالي 3,500 مليون متقاعد ، بالاضافة الى رواتب الرعاية الاجتماعية.
و تقدر جميع الرواتب المستلزمة التي يقوم العراق بدفعھا حوالي 9 مليون موظف بين متقاعد ومازال في الخدمة وهذا رقم كبير جداً يھلك الميزانية العامة .
و المشكلة الاساسية ان القطاع الخاص العراقي ضعيف جداً ، لان الصناعة العراقية معدومة لاتستطيع ان توفر وظائف وهذا يتجه الى ان تكون عملية التوظيف على عاتق القطاع العام .
هنالك مشاكل اقتصادية يعاني منھا البلد الا هو ضعف القطاع الخاص ، وان السبب في ضعف هذا القطاع هو قيام الكثير من الدول باغراق الاسواق المحلية ببضائعھا بشكل يخدم اقتصادها على حساب الاقتصاد العراقي.
كل ذلك سوف يؤدي الى ضعف الاقتصاد الوطني وبالتالي سيضعف معدل الناتج المحلي الذي ينتج عن طريق القطاع الخاص ولاتوجد لدينا حزم لحماية القطاع الخاص ( تتمثل هذه الحزم في فرض الضرائب والرسوم والتعرفة الگمرگية وتشجيع الناتج المحلي ) ، وكل ذلك اثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني وجعله اقتصاد ريعي يعتمد فقط على بيع النفط ، لان الكل يرغب في تصريف بضائعة داخل الاسواق العراقية ، وهذا انعكس ايظاً على سحب الدولار من الخزينة العراقية .
قامت حكومة الكاظمي بأنشاء منصة الكترونية تشرف على عمليات التحويل الخارجي ، ولھذه المنصة مجموعة من الشروط تمليھا على من يرغب في الدخول لھا وتتطلب هذه الشروط نوع من الإجراءات الدقيقة والافصاح عن أموال لمن يرغب الدخول لھا و عن الجھه التي سوف يستور مـنها .
لكن التجار وثقافة الأسواق المحلية في العراق يرفضون بشكل كبير الإفصاح عن بياناتھم المالية ولذلك حصل صراع بين الإفصاح او عدن الإفصاح عن هذه البيانات مما أدى الى أحجام الكثير من الشركات التجارية من الدخول لھذه المنصة ، حيث يرفضون الإفصاح عن البيانات الحقيقة لقيم الاستيراد ويرفضون تقديم المعلومات اللازمة عن التحويل الخارجي .
ولهذا ادى الى اللجوء الى شراء الدولار من الأسواق المحلية ( السوق الموازي ) مما أدى الى ارتفاع الدولار في الأسواق المحلية.
و لهذا قام البنك المركزي العراقي بضخ كميات كبيرة من النقد لكي يحاول السيطرة على الأسعار ، لكن التجار لايزالو يشترون من الأسواق المحلية ويتم تحويلها الى خارج العراق بشكل غير شرعي.
هنالك نوعين من الدولار : –
النوع الأول :- والذي يستخدم للحوالات الماليه خارج العراق لم يتأثر ولم تتغير قيمته .
النوع الثاني :- الدولار الذي يستخدم للتعاملات الداخليه من خلال نافذة بيع الدولار هو الذي حدثت فيه المشكلة والتي يمكن تلخيصھا كما يلي :
١-قيام البنك الفيدرالي بتفعيل الرقابه المصرفيه المشدده أدى الى عزوف العشرات من المصارف ومكاتب الحوالات عن الشراء من منصة بيع العملة بسبب عزوف الكثير من المصارف عن الشراء من نافذة بيع الدولار حيث انخفضت مبيعات الدولار من قبل البنك المركزي بشكل كبير جداً وهذا انعكس على كمية العرض من الدولار .
٢-لجوء الكثير من التجار لسحب الدولار المتواجد في السوق لغرض توفير السيوله لاعمالھم التجارية .
٣-قيام منظمة تحت سيطرة البنك الفيدرالي الأمريكي تسمى اوباك تعتبر تصنيفھا العالمي من اقوى المنظمات المختصه في السيطره على التحويلات وعلى نافذات العملة الخاصة بالدولار ، هذه المنظمة وضع معايير خاصه بالعراق.
نوصي بالنقاط التاليه من اجل تفادي ارتفاع سعر صرف الدولار :
١- تعزيز الثقة بالاقتصاد العراقي من خلال بناء اقتصاد قوي وبيئة استثمارية ملائمة قائمة على تشريعات واضحة ومستقرة تتلائم والتطورات العالمية الجديدة، اذ اثبت البحث ان الطلب على الدولار قد ارتبط بصورة كبيرة بالعوامل غير النقدية المتمثلة بالتوقعات المرتبطة بالبيئة
الاقتصادية ، فضلا عن الجوانب السياسية والامنية .
٢- المساواة بين سعر الحوالة وسعر الاعتماد المستندي من اجل تقليل معدلات سعر صرف الدولار .
٣- من المناسب ان تعمل الحكومة على دعم التعاملات التي تجري بالعملة المحلية او بمجموعة مختلفة من العملات الاجنبية ، فذلك يعمل على اعطاء مرونة اكبر للتعاملات الاقتصادية وتقليل.
٤- قيام وزارة التجارة بتوفير المواد الغذائية و السلع والخدمات للمواطنين و ادامة الاعمال مباشرة.
٥- قيام البنك المركزي و الفروع التابعة له باعمال الحوالات بدل المصارف المنسحبة و توفير السيولة الصعبة للسوق.