بقلم: فالح حسون الدراجي …
ثمة سوء فهم في توصيف وظيفة المستشار في الدولة العراقية، منذ 2003 الى يومنا هذا، بل وحتى في الحكومات التي سبقت 2003، وسأوضح ذلك بعد الحديث عن فوضى الخلط، والتداخل الحاصل بين وظيفة المستشار ووظائف أخرى في الحكومة الحالية والحكومة التي قبلها.
وطبعاً فأنا أتحدث هنا عن مستشاري رئيس الوزراء، وليس مستشاري الوزراء، لأن مستشاري الوزراء (المساكين)، لا حول لهم ولا قوة، فهم للأسف لا يهشون ولاينشون ولا أحد يستشيرهم، أو يكلفهم بعمل معين، بمعنى أنهم (بطالة مقنعة)، ما داموا بلا دور ولا فاعلية، وكل نشاطهم يتلخص بالتودد -ولا أقول التزلف – للوزير، وشرب الشاي والقهوة، والتثائب، والنوم أحياناً على كرسي المكتب الدوار حتى يحين انتهاء الدوام !
أما مستشارو دولة رئيس الوزراء الذين أكتب مقالي هذا عنهم، فهم واقعون في اشكالية لاخلاص منها، إذ وكما يبدو أن أغلبهم لا يفرق بين مهام المستشار، ومهام السكرتير، او مهام الموظف في مكتب دولة الرئيس.. فقد لا حظت أن بعض المستشارين يعتقدون ان تكليفهم من قبل رئيس الوزراء بمهمة الاتصال بالمواطن الفلاني وحل مشكلته، او زيارة مريض، وتقديم باقة ورد له باسم رئيس الوزراء، أو رعاية مباراة رياضية هنا، ونشاط ثقافي هناك، أو افتتاح معرض نيابة عن رئيس الوزراء، أو غير ذلك من الأنشطة المماثلة، هي أهم واجباتهم الاستشارية، بل أن بعضهم يطير فرحاً حين يكلفه دولة الرئيس بمثل هذه المهمات، رغم أنه يعلم جيداً أنها مهمات خدمية لا تتلاءم مع قيمة اختصاصاته العالية، فهذه الأعمال كما نعرف، هي من اختصاصات السكرتير الشخصي لرئيس الوزراء، أو من واجبات موظفي مكتبه، أو من مسؤوليات دائرة المراسم والعلاقات العامة، وليس من أعمال المستشار التخصصي !
وللحق، فإن ثمة عدداً من مستشاري السوداني المتخصصين والمهنيين، أكفاء ومقتدرون بكل ما في الاقتدار من معنى، لكني لا أعرف إن كان دولة الرئيس يستشيرهم أم لا؟
إن منصب مستشار رئيس الوزراء، بقيمته، مهم جداً،
وسأضرب مثلاً بثلاثة من كبار المستشارين في العالم، للتاكد من اهمية هذا المنصب، فالمستشار هنري كيسنجر مثلاً، كان يضيء بعبقريته الطريق للولايات المتحدة كلها، ولم يكن مصباحاً للرئيس ايزنهاور أو كندي، أو كارتر أو نيكسون فحسب، كما أن الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل لم يكن مستشاراً صحفياً للرئيس عبد الناصر فحسب، إنما كان المستشار والمرشد والناصح والموجه للرئيس ناصر وللسياسة المصرية لربع قرن تقريباً .. والشيء نفسه يقال عن المستشار العبقري علي أكبر ولايتي، الذي يكاد يكون الوحيد الذي يسمعه السيد الخامنئي، ويستشيره في كثير من القضايا الدولية المهمة.. وقد يقول قائل، وهل لدينا مستشارون بمستوى كسينجر أو هيكل أو ولايتي، والجواب: نعم، لدينا مستشارون كبار وعقول فاخرة في شؤون الامن القومي، والعسكري والدستوري، والمالي، دون أن أذكر الأسماء كي لا اتهم بالانحياز، فضلاً عن أني لا أعرف جميع مستشاري السوداني.. خلاصة القول: إن موقع المستشار كبير جداً، حتى إني أعتبره أكبر من موقع الوزير، لأسباب كثيرة.
وعن أهمية دوره، أقول مثلاً: لايحق لرئيس الوزراء أن يختار احدى الشركتين النفطيتين المتنافستين على عقد أو مشروع كبير بقرار شخصي منه، قبل الاستئناس برأي مستشاره النفطي، لأن لمستشاره رأياً فنياً تخصصياً متكاملاً، ناتجاً عن دراسة دقيقة وعميقة لجميع مقتضيات العقد، او المشروع، وفي الوقت ذاته، فإن هذا المستشار يمتلك – كما يفترض – صورة وافية وكافية عن مستوى أداء الشركتين المتنافستين، وعن خبرات ومنجزات وامكانات كل شركة منهما وعلى هذا الأساس تصبح وجهة نظر المستشار النفطي هي الأهم بين جميع وجهات النظر الأخرى بما في ذلك وجهة نظر وزير النفط نفسه، لأن ربما- واقول ربما – يكون للوزير (تنسيق) معين مع احدى الشركتين مقابل منفعة شخصية لاسمح الله .. وقد رأينا بالتجربة، كيف انحاز وزير النفط السابق لشركات نفطية على حساب شركات أخرى وأسباب انحيازه معروفة !
ولكن، وقبل ان نمنح ميزة التفضيل لوجهة نظر هذا المستشار النفطي – والمثال ينسحب حتماً على جميع المستشارين الآخرين، كالمستشار الأمني، والعسكري، والزراعي، والصناعي، والدستوري، والمالي، والرياضي، يجب أن يكون هؤلاء المستشارون قد حصلوا على مناصبهم بالحق والاستحقاق والكفاءة، وليس لأسباب أخرى، لأن ثمة كلاماً يقال الآن في وسائل الاعلام، وبين النواب، يفيد أن بعض المستشارين نالوا مناصبهم في مجلس الوزراء لأسباب خارجة عن كل المعايير والقياسات الفنية والتخصصية، فمثلاً يقول النائب باسم خشان، إن “الرئيس محمد شياع السوداني، عيّن جيشاً من المستشارين يكفي لغزو الصين”. وأضاف خشان أن “السوداني تجاهل تطبيق قانون تنظيم عمل المستشارين الذي صوت عليه البرلمان سنة 2017، والذي حدد شروطاً تمنع تعيين الأصدقاء والأقارب وغيرهم ممن لا يمتلكون الخبرة الكافية للمنصب”.
أما النائبة سروة عبد الواحد فتقول في تغريدة لها: إن “لجنة النزاهة البرلمانية رصدت تعيين 60 مستشارا للسوداني”.
أما أنا، فسأتجاوز ما قيل ويقال، وأعلن بصراحة، أني لست ضد تعيين 60 مستشاراً لرئيس الوزراء، شرط أن يكونوا بمستوى المنصب، كفاءةً ونزاهةً، وتميزاً في تخصصاتهم. وإن عدد مستشاري رئيس الوزراء برأيي ليس مشكلة، حتى لو كان جيشاً يكفي (لغزو الصين) كما يقول خشان، لكن السؤال الذي يجب أن يسأله خشان، أو غيره، هو: هل إن هؤلاء المستشارين يُستشارون أم لا ؟!
لأن المعطيات التي أمامنا تؤكد أن رؤساء الحكومات جميعاً، لم يستشيروا أحداً من مستشاريهم، وما يؤكد كلامي، هو الحال التي أوصلونا اليها من خراب وفقر ودمار وتخلف وكوارث متتالية..إذ لو كان رؤساؤنا قد استشاروا أهل الشور والتخصص لما وصلنا الى ما وصلنا اليه !
أما فيما يخص اعتماد صدام على مستشارين اكفاء، يستشيرهم في ادارة شؤون البلد، كما يشاع ويتداول بين الناس، فهذه كذبة كبيرة، إذ ربما يكون فعلاً لدى صدام مستشارون مقتدرون، لكن المؤكد لديّ، أن صدام قد وضع هؤلاء المستشارين ديكوراً، كما يضع بعض الأميين مكتبة كبيرة في غرفة الاستقبال، لتكون مكملاً للوجاهة و(الكشخة والنفخة) لاغير
إذ لو كان صدام استشار مستشاريه النوابغ فعلاً، لما ارتكب حماقة غزو الكويت، ولا أنشأ مفاعل تموز النووي وصرف عليه مئات ملايين الدولارات، وهو يعلم تماماً أن الكيان الصهيوني سيضربه حتماً، ويعلم أيضاً أنه غير قادر على حمايته من ضرباته، وغيرهما من الحماقات والاخطاء الكارثية!!
لذا فإني متأكد جداً من أن صدام لم يستشر احداً من مستشاريه المقتدرين لسبب مفاده، أن الطغاة لا يستشيرون احداً، ولا يسمعون نصيحة.. وكي أكون منصفاً، فإن ثمة من يقول إن لصدام مجلساً خاصاً يضم كوكبة فريدة من العلماء والجهابذة، من بينهم الجهبذ عزت الدوري .. والبروفسور علي حسن المجيد، صاحب نظرية: (أضربهم كيمياوي وأنعل أبو كل دول الله)! (والدكتور) عبد حمود، صاحب الوجه الذي يختزل كل غباء التاريخ …!
ومونتغمري العرب، المشير حسين كامل، والفيلسوف سبعاوي ابراهيم الحسن، صاحب نظرية: (يابه والله عندي بيت سويحلي من صبيحة ذياب، يسوه العراق والكويت، والأمة العربية من ال ….!) وتوقف الرجل فهو لا يعرف قول: من ” المحيط الى الخليج “!