بقلم: فالح حسون الدراجي …
ميسي علَم الأرجنتين الوطني، ونشيد الحب القومي للأرجنتينيين.. وسمفونية برشلونة التي تبث سحرها في مختلف قارات الكون رغم مغادرته كاتلونيا واقامته في باريس سان جيرمان، وهو المتعة الحقيقية لكرة القدم، والمختصر المفيد لجميع الفنون الكروية، والمذهل الذي لم يات مثله، ولن يأتي بعد ألف جيل. فضلاً عن أن ميسي لم يكن عظيماً في لعبه فقط، إنما عظيم في خلقه والتزامه وسلوكه وتهذيبه وطاعته واحترامه وتواضعه ايضاً، فأجبر الجميع على احترامه بما فيهم أنداده وخصومه، حتى أن الحكام في الملاعب كانوا يفكرون الف مرة قبل ان يرفعوا بوجهه الكارت الأصفر، احتراماً لأخلاقه ومكانته، وصدقه، واتزانه. لذا فأنه لم ينل البطاقة الحمراء طيلة عشرين عاماً قضاها في الملاعب، اللهمّ إلا مرة واحدة، نالها على يد حكم اسباني معتوه!.
إن ميسي وليس غيره من تمنت الكرة الأرضية بكل شعوبها، أن يفوز بكأس العالم 2022، حتى ان لاعب منتخب الارجنتين (دي ماريا)، قال في لقاء تلفزيوني” إن العالم كله تمنى فوز الارجنتين بكأس العالم في الدوحة، بما في ذلك جماهير الفرق المنافسة لنا، والسبب يعود لميسي وحبها له !
كما أن لاعبينا وأنا معهم، كنا نقاتل قتالاً، من أجل شيء عزيز وغال، ولم يكن هذا الشيء العزيز والغالي سوى تتويج ميسي.. وحين فزنا بالبطولة فرحنا جداً، وكان سبب فرحنا الأول، إننا حققنا لميسي حلمه الذي يستحقه، إذ ليس من العدل أن لايفوز بكأس العالم ويستمتع بلحظات النصر، وهو الذي أمتع الملايين من محبي الكرة في العالم..
وأضيف الى ما قاله ماريا، أن ميسي كسب للعبة كرة القدم جمهوراً ماكان يميل للرياضة، ولا يهتم بشؤون الكرة من قبل، لا سيما الذين يشتغلون في حقول السياسة والسينما والطب والثقافة والتجارة والتعليم العالي، وغيرهم، فهؤلاء الذين يختلف عالمهم عن عالم الكرة، انخرطوا في مناخات الملاعب ومتابعة المباريات بفضل ميسي.
وأعترف، بأني واحد من الذين أعادهم ميسي الى فرجة ملاعب الكرة عام 2011، بعد ان غادرتها منذ مطلع التسعينيات.. ولم يكتف ميسي باعادتي لملاعب الكرة فحسب، بل جعلني متيماً ..عاشقاً .. ولهاناً .. بنادي برشلونة، ومنتخب الارجنتين، حتى صرت الاحقهم من البرازيل الى روسيا الى اوربا، بحثاً عن متعة فن ميسي وسحره ..
والان وبعد هذه المقدمة، وهي كافية برأيي لمعرفة شعوري تجاه هذا الكائن الاستثنائي في الابداع، أظن أن من حقي، بل ومن واجبي أن أقول رأياً فيه، حين أجد أن هذا الرأي مهم وضروري يتوجب قوله،رغم علمي أن ميسي لن يقرأ هذا المقال، لكني أردت أن أبرئ ذمتي، فقول كلمة الحق عندي بمثابة الفريضة، حتى وإن كان قولها بالقلب،وهو أضعف الايمان حتماً- !
وثيمة مقالي هذا تتلخص في الخطأ الشنيع الذي ارتكبه ميسي حين انتقل لنادي سان جيرمان، و(اخشى ان يعيد اليوم الخطأ ذاته) ..!
وأنا هنا لا أريد ان أخوض في الأسباب، والظروف التي دفعت ميسي الى مغادرة نادي برشلونة، ذلك النادي الذي تربى ونما، و(تشافى وتعافى) فيه حتى غدا النجم ميسي.
ولا أود أن أبحث أيضاً عن المبرر الذي جعله يوافق على التعاقد مع نادي (باريس سان جيرمان)، وهو يعلم أن الخليفي- لا خلف الله عليه – لم يأت للتعاقد معه حباً بسواد عينيه بل كرهاً ببرشلونة أولاً، وطمعاً بما سيجنيه من أموال ومكاسب مالية ودعائية تأتي من وجود نجم كبير بحجم ميسي في فريقه الباريسي، وهذا ما حصل فعلاً، إذ ارتفعت ايرادات واسهم باريس سان جيرمان أضعافاً، بعد ارتداء ميسي فانيلة هذا النادي، وأصبح فريق سان جيرمان فجأة، واحداً من افضل خمسة فرق في العالم، ثم ازدادت ارباح ومكاسب النادي الباريسي أضعافاً مضاعفة بعد فوز ميسي بكأس العالم في الدوحة.. ولكن، ماذا نال ميسي من هذه المغانم؟
الجواب: لا شيء طبعاً !
بل إن ميسي خسر الكثير من قيمته الاعتبارية بعد انضمامه لهذا الفريق.. ويكفي ان ننظر لتعامل ادارة النادي والجمهور الباريسي معه، قياساً الى تعاملها مع الصبي مبابي، فميسي (الفذ)، بات اليوم مجرد (لاعب مساعد) يقدم الخدمة المطلوبة الى اللاعب المحور مبابي، واصبحت غرفة ملابس الفريق رهن اشارة مبابي، فهو الآمر الناهي المتحكم فيها، وهو الذي يحق له التدخل في التشكيلة، وفي العقود كذلك، كما أوكلت اليه مهمة تنفيذ ضربات الجزاء -وميسي موجود-! ناهيك من غرور هذا النزق المراهق وتعاليه حتى على نيمار وميسي وغيرهما، بل وحتى شارة كابتن الفريق، فقد وضعت إدارة النادي قائمة تضم خمسة لاعبين حسب التسلسل، لحمل شارة الكابتن، كان أولهم مبابي، وطبعاً لم يكن بينهم ميسي، كابتن منتخب الارجنتين، وكابتن فريق برشلونة الذهبي..
والمشكلة لا تكمن فقط في عدم الاحترام الذي تبديه بيئة الخليفي وادارة النادي لميسي، إنما في الجمهور الفرنسي أيضاً.. فهذا الجمهور لم ينس ما فعله بهم (أبو تياغو ) في الكامب نو، عندما قاد برشلونة للفوز بنتيجة 6 – 1 ، وأخرجهم من ابطال اوربا، ولم ينسوا أيضاً هزيمة فرنسا على يديه في كأس العالم 2022، لتزيد حقدهم حقدا عليه!
وما دام الأمر هكذا، دعونا نسأل:ما الذي يجبر ميسي على تجديد عقد مع فريق لايحبه، ومع ادارة لا تراعي كرامته، وجمهور يكن له الكره والضغينة ؟!
ولنفرض أن الخليفي قدم لميسي عقداً مغرياً وكبيراً للتجديد، فهل هذا يعني أن المال لدى ميسي أهم من الكرامة والاعتبار ؟!
إن (الدعيّ) الخليفي حين يستقتل من اجل التجديد لميسي، لا يفعل ذلك حباً به، إنما لأن ميسي دجاجة تبيض له ذهباً حقيقياً.. كما أن الخليفي، وبيئته، يكرهون عودة ميسي لحضن عدوهم: برشلونة!
ويكرهون أيضاً ذهابه الى فريق سعودي، لأسباب تتعلق بالتنافس غير الرياضي بين الرياض والدوحة !
إن ميسي المعروف بوفائه لبلده وبيئته وأصدقائه، والذي سبق له وأن رفض العرض المقدم اليه عام 2004 للعب في منتخب اسبانيا، الذي كان يضم وقتها تشافي وإنييستا وفيا، وفابرغاس، ومفضلاً اللعب لصالح منتخب الارجنتين الضعيف آنذاك، لهو مطالب اليوم بالوفاء لبرشلونة، واللعب لفريقها حتى يأتي يوم اعتزاله.. وقبل ذلك عليه ان يرفض بصوت عال، عقد الخليفي مهما كانت قيمته المالية، فهو أولاً (ما عايز فلوس)، إذ يقال إن ثروته وصلت الى حدود المليار دولار ..!فماذا سينقص من ثروته لو عاد لبرشلونة، ولعب لفريقها بنصف قيمة عقد الخليفي، فيرد بذلك بعض الجميل الذي صنعه معه النادي الكاتلوني، حين جاء اليه طفلاً مريضاً ميئوساً من شفائه.. أما إذا فضل المال على الوفاء لنادي برشلونة، فلا بأس من أن يوقع مع أي ناد آخر يدفع له، شرط أن لا يذهب الى سان جيرمان، ذلك النادي الذي أنقص من هيبته أمام العالم. إذ كيف يجدد مع فريق لا يحترمه، وادارة لا تحبه ؟! إن تجديد ميسي العقد مع الخليفي لاسمح الله، هو (عار وشنار)، ما بعده عار ولا شنار .. ولكن قبل ذلك دعونا ننتظر ..ونرى !