بقلم : د. علاء هادي الحطاب ..
في كل أشكال العلاقات الدولية تقع مصالح الدول في أولوية القواسم المشتركة التي تجمع الدول التي تتفق على معاهدات أو اتفاقات، ويُحسب لكل شيء حسابه بشكل دقيق وبعيد المدى، لذا تخضع عملية اتخاذ القرار السياسي الخارجي لعملية معقدة في الأنظمة السياسية المستقرة والمتقدمة وتمر بمجموعة دوائر بعد الركون إلى مراكز التفكير السياسي والعلاقات الدولية حتى يخرج القرار السياسي الخارجي بالصيغة التي تخدم مصلحة البلد على المستويات القريبة والمتوسطة
والبعيدة.
العراق وبحكم موقعه الجيوسياسي وممكناته الجيبولتيكية كان لابد له أن يضع ملف المياه وضمان وصول إمداداتها من المنبع إلى المصب بشكل إنسيابي يوفر البيئة الآمنة لحياة الفرد العراقي، استناداً إلى القوانين الدولية والمعاهدات ذات الصلة، مستثمراً بذلك ما يقدمه العراق لدول المنبع والمرور سواء كانت تركيا أو إيران أو سوريا من مصالح اقتصادية كبيرة، إذ بلغ حجم التبادلات التجارية بين هذه الدول والعراق أرقاماً كبيرة جداً وإنْ كانت متفاوتة بين دولة وأخرى، وحقيقة هذا التبادل التجاري هو مجرد استيراد للبضائع التي تصنِّعها تلك الدول وتكون السوق العراقية مصدراً أساسياً لاستيرادها، إذ لا توجد صادرات تُذكر من قبل العراق لتلك الدول، وفي هذه الجزئية تحديداً يجب على العراق أن يستثمر هذه المصلحة المُقدمة لدول المنبع والمرر ويأخذ مقابلها مصلحة متقابلة تتمثل في تسهيلات وضمان وصول المياه التي يحتاجها العراق لمواطنيه وزراعته وصناعته وثروته الحيوانية، فمن غير المنطقي أن يَهَبَ العراق “ سوقاً استهلاكية “ كبيرة لتلك الدول من دون مقابل، فضلاً عن ممكنات جيبولتيكية أخرى في الأمن والسياسة يمكن للعراق استثمارها في إطار المصالح المشتركة مع تلك
الدول.
بالمقابل على العراق كدولة أن يضع سياسات عامة قابلة للتنفيذ للاستفادة القصوى من المياه الداخلة إلى أراضيه وعدم إهدارها سواء في سوء استعمالها كما يحصل الآن أو ذهابها إلى بحر الخليج عبر البصرة من دون دراسة علمية مفصلة.
فالجفاف الذي يهددنا يومياً وتحديداً مع حلول كل موسم صيف ينذر بكارثة حقيقية في حرب قادمة لا محالة وهي حرب المياه.