بقلم: فالح حسون الدراجي ..
اليوم، نحتفل بمرور تسعة وثمانين عاماً على ميلاد زعيم النضال الوطني العراقي، وحزب الفقراء والشهداء والنزهاء والشعراء، الحزب الشيوعي العراقي.
ولأني اعتدت على كتابة أغنية في كل آذار، أستقبل بها عيد الميلاد.. إذ بدأت بهذا الطقس النبيل منذ عام 1973، عندما كتبت آنذاك قصيدة (رسالة الى فهد)، والتي لحنها الفنان بشير الخزاعي، وقدمها بصوته في الحفل شبه العلني الذي أقامته منظمة الشبيبة العمالية، في بيت الزميل (حساني) بمدينة الثورة في آذار من نفس العام..وقد حضر الحفل وقتها الرفاق: كمال شاكر (أبو سمير) ورحيم الشيخ علي (حيدر فيلي)، وعدد كبير من المناضلين، والفنانين والشعراء.. وقد كنت عريف ذلك الحفل، الذي لم يزل بعضنا يتحدث به حتى اللحظة..
ومنذ عام 1973 لم انقطع عن أداء هذا الطقس، حتى في أقسى الظروف.
وفي هذا العام، قررت ان اكتب الاغنية التي تأجلت كتابتها نصف قرن بالتمام والكمال.. ولهذه الأغنية، حكاية بسيطة، لكنها ذات معنى وتأثير كبير عندي..
إذ قبل 50 عاماً، كنت أنا وصديقي الأعز والأغلى كريم العراقي، جالسَين في مقهى (أبو كاظم) في قطاع 40، التي لم تكن تبعد عن بيتنا اكثر من 500 متر، وقد كانت هذه المقهى واسعة، ومكتظة في أغلب الاوقات. ولعل من المفيد ذكره هنا، أني وكريم وبعض أصدقائنا القريبين جداً كنا نستخدم في حديثنا بعض الكلمات المشفرة، خصوصاً عندما يكون في جلستنا اشخاص (بعثيون) أو غير مرغوب فيهم، ومن ضمن هذه الكلمات، كلمة (جيد) التي نعني بها (الشخص الشيوعي)! ويبدو ان أحد الشباب وهو (السيد …) قد انتبه لنا ونحن نردد مراراً هذه الكلمة، فعرفها وعرف معناها.. وقد كان (السيد) بعثياً معروفاً بيننا، لكنه في الوقت نفسه، كان يحبنا أنا وكريم جداً، إذ ما أن يرانا ندخل المقهى، حتى يهرع الينا مرحباً ومحتفياً بنا.. وفي إحدى المرات دخل المقهى رجل لا نعرفه، لكن (السيد) قال :
لا تتوجسوا منه، هذا رجل “جيد” !
ولم نفهم مقصده من كلمة (جيد)، فساله كريم قائلاً: يعني هذا بعثي مو ؟!
فاجابه (السيد) منتفضاً: لا يابه.. يا بعثي، مو گتلكم هذا جيد، يعني شيوعي محترم !
فضحكنا انا وكريم، ولم نزل حتى اللحظة نتذكر (جيد) السيد، ونضحك ..!
ومن تلك المقهى الشعبية البسيطة التي أزيل بناؤها، ولم يبق منها غير أطلالها، بدأت الحكاية، ومن كلمة (الجيد) وبراءة (السيد) ، صرت أعير الاهتمام لأي شيء يتعلق بهيبة الحزب الشيوعي، ونظرة الناس المنبثقة من احترامهم الكبير له، وتقديرهم لنضالاته، ودماء شهدائه.. لذلك رحت أرصد، واخزن المواقف والمشاهد المتصلة بكبرياء الحزب.. وعاماً بعد عام ازدحمت ذاكرة قلبي بقصص حية من قصص الكرامة والهيبة الشيوعية.. لكن الملاحظ للأسف، أننا لم نقترب في قصائدنا من هذه القيمة الاعتبارية العظيمة، في حين إننا كتبنا وانشدنا القصائد والاغاني والمقالات، المرصعة بعدد كبير من مزايا الشيوعي العراقي، كالنزاهة والصدق والوفاء والوطنية والانسانية والشجاعة، وحب الناس، والتضحية، والصمود، والنضال، والاخلاص، والامانة، دون أن نمر بأغانينا يوماً على مهابة الحزب الشيوعي التي تتجلى جلية في عيون العراقيين، وتعبيراتهم..
إن للحزب الشيوعي هيبة ووقاراً واحتراماً و(لمعة) لايحظى بها غيره، حتى رفاقه في البلدان الأخرى..
ومن تلك المقهى الشعبية البسيطة التي أزيل بناؤها، ولم يبق منها غير أطلالها، بدأت الحكاية، ومن كلمة (الجيد) وبراءة (السيد) ، صرت أعير الاهتمام لأي شيء يتعلق بهيبة الحزب الشيوعي، ونظرة الناس المنبثقة من احترامهم الكبير له، وتقديرهم لنضالاته، ودماء شهدائه.. لذلك رحت أرصد، واخزن المواقف والمشاهد المتصلة بكبرياء الحزب.. وعاماً بعد عام ازدحمت ذاكرة قلبي بقصص حية من قصص الكرامة والهيبة الشيوعية.. لكن الملاحظ للأسف، أننا لم نقترب في قصائدنا من هذه القيمة الاعتبارية العظيمة، في حين إننا كتبنا وانشدنا القصائد والاغاني والمقالات، المرصعة بعدد كبير من مزايا الشيوعي العراقي، كالنزاهة والصدق والوفاء والوطنية والانسانية والشجاعة، وحب الناس، والتضحية، والصمود، والنضال، والاخلاص، والامانة، دون أن نمر بأغانينا يوماً على مهابة الحزب الشيوعي التي تتجلى جلية في عيون العراقيين، وتعبيراتهم..
إن للحزب الشيوعي هيبة ووقاراً واحتراماً و(لمعة) لايحظى بها غيره، حتى رفاقه في البلدان الأخرى..
لذلك كان (المحقق) في دوائر الامن السابقة، والجلاد الذي يمارس التعذيب في الزنزانات البوليسية وكذلك السجان وبقية جوق السلطات الفاشية، كانوا جميعاً يهابون المناضل الشيوعي ويحترمونه- رغماً عنهم- فمثلاً كان مدير سجن (الموقف العام) في بغداد وسجانوه بقلاعه الست، يهاب ويجلّ السجين الشيوعي الشهيد حمزة سلمان عضو اللجنة المركزية للحزب..وكان القائد فهد ذا هيبة وتأثير كبيرين على بيئة السجون التي دخلها سجيناً، وحتى المشانق التي نصبت له ولرفيقيه الشهيدين بسيم والشبيبي الأبطال، كانت ترتجف تحت أقدامهم خوفاً ومهابة، وليس العكس، بل أن السجانين أنفسهم كانوا مرعوبين !!
لقد قرأت مذكرات قادة البعث الفاشي مثل أياد سعيد ثابت والفكيكي، ومحسن الشيخ راضي، وتحسين معلة وغيرهم، ورأيت كيف هم يتحدثون عن سلام عادل وموقفه بلغة ملؤها الاحترام والهيبة، سواء في مواجهة جلاديه، وحفاظه على امانة الحزب، أو حين مضى الى حتفه مبتسماً غير آبه بما تعرض له من صنوف التعذيب الفاشي!
نعم، هكذا هو الشيوعي، محترماً ومهاباً حتى من أعدائه، فمن يحترم اسمه، وحزبه، وقضيته، وكلمته، يحظى دون شك باحترام الجميع.. لذلك نرى القوى من أبناء الشعب العراقي يكنون الاحترام والتقدير للشيوعيين، حتى وإن اختلفوا معه في عقيدته.
أتذكر عمود الراحل الكبير شمران الياسري (بصراحة أبو گاطع) واعجاب الناس بأسلوبه وسحره، بما في ذلك بعض البعثيين، الأمر الذي أغضب صدام حسين، وجعله يضع خيار الجبهة الوطنية، والعلاقة مع الحزب الشيوعي بكفة ومقالات ابو گاطع بكفة.. ويقال ان الراحل عامر عبد الله تحدث الى (ابو گاطع) حول طلب صدام،
متمنياً عليه أن (يخفف) من حدة عموده الصحفي، لكن (أبو گاطع) ردّ عليه بكياسته وخفة دمه، قائلاً: (رفيقي العزيز، أخفف منه شلون يعني، أحط فوگاه شويه ماي بارد، وأكاسره، لو اشلون مثلاً)؟
وهكذا ظل أبو كاطع على موقفه الوطني والشيوعي، رافضاً فكرة التخلي عن رسالته المهنية والوطنية.. مفضلاً التوقف عن كتابة عموده الصحفي على (تخفيفه)، ليغادر العراق بعدها، ويموت في حادث سير غامض على الحدود الچيكية الهنغارية، لكن اسمه ظل خالداً ولامعاً ومهاباً في ضمير الشعب.. ولا عجب في ذلك، فقد نما شمران وترعرع في كنف الحزب الشيوعي الكريم، المهاب، ونهل من نهر زلال، ومورد عذب السجايا، صافٍ.. ومثله كان رفاقه الشيوعيون العراقيون، وحزبهم الذي ظل مهاباً، مكرماً، رغم كل ما تعرض ويتعرض له ..
واليوم، وأنا استقبل العيد التاسع والثمانين، بالأغنية التي أجّلت كتابتها نصف قرن..حيث يقول مطلعها: ليش الناس تهابك ليش .. وبيك تثق وتأمن ليش ؟
لا عندك سلطة وتغريهم .. لا عندك ثروة وتشريهم.. لا عندك شرطة ولاجيش؟
هاي الناس تهابك ليش؟
والتي جاء نصها بستة مقاطع، وقد اخترت منها اربعة فقط، ليقوم الفنان الجميل الموهوب، عمر هادي بتلحينها وانشادها وتسجيلها بصوته الدافئ، وتظهر الى الناس في عيد ميلاد حزبهم المجيد..
ولأني لا اريد هنا أن أحرق الأغنية، لذا أدعوكم الى سماعها على اليوتيوب، كي تعرفوا كيف أن حزباً لا يملك غير حب الناس، وغير تاريخ ناصع، ويد شريفة، وقيم وطنية وانسانية، و(خشم عالي)، يفرض هيبته واحترامه، في الوقت الذي يملك غيره جيوشاً وميليشيات، ودبابات ومدافع، واسلحة كيمياوية، وحتى (طائرات مسيرة).. وقد لا يحظى بمحبة الناس، ولا بثقتهم!
والآن..أظنكم عرفتم لماذا الحزب الشيوعي مهاب؟