بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
كثر الحديث هذه الأيام عن الأستاذ الدكتور محمود أحمد محمد وهبة، وآراءه التخصصية في مجال المال والاقتصاد، واعتراضاته على رهن أصول مصر، ومقترحاته العملية لانتشالها من تداعيات أزمتها الاقتصادية. وقد جلبت انتباهي مشاريعه في مجال الاقتصاد الأزرق (الاقتصاد البحري)، ومحاولاته الجادة لتحقيق نقلة نوعية وتاريخية كاملة وشاملة في مصر، فهو يرى انها ليست دوله صحراويه أو زراعيه فقط، بل انها دولة بحرية بإمتياز وهذا هو الأهم. فاخترت التعمق في دراسات هذا الرجل ومشاهدة لقاءاته المتلفزة، والتعرف على أفكاره ومقترحاته باعتباره من كبار اساتذة جامعة نيويورك، ومستشاراً سابقاً للشيخ راشد في الامارات العربيه، والرئيس السادات بمصر، والملك خالد بالسعودية. وله باع طويل في إدارة الشركات الاستثمارية. .
وربما دفعني عملي البحري والملاحي نحو تحليل رؤيته للاقتصاد الأزرق. فهو يرى ان اطلالة مصر على البحر الأبيض المتوسط واطلالتها على إمتداد البحر الاحمر وتفرعاته في خليج السويس والعقبة، بسواحل يزيد طولها على 2936 كم، تسمح لها بتوليد الكهرباء من الشمس والرياح في الواجهات البحرية، ويسمح بالتوطين والبناء باكتفاء ذاتي، ويضمن توفير فرص العمل في مجالات عديدة ومتشعبة وبكثافة عالية، ويتيح لها فرص المشاركة في التجارة البحرية الدولية باسطول وطني يجوب الآفاق الزرقاء، ويفسح لها المجال لبناء السفن واصلاحها، وبناء المراسي والمرافئ للسفن واليخوت، وربطها بطرق النقل والمواصلات، والارتباط بسلاسل التخزين والتوريد والتعبئه والتغليف والتوزيع، وتفعيل مشاريع الصناعات الكبري والمتوسطة والصغرى، وبناء محطات تحلية المياه، والتوسع في مشاريع التنقيب عن الغاز والبترول والمعادن البحرية، والمباشرة بزراعة الاعشاب البحرية لإنتاج العلف الحيواني. وتنشيط أسطول صيد الاسماك، وفتح المزارع اللازمة لتربية المحار، والتوجه نحو السواحل لتخفيض الضفط السكاني في المدن، والاستفادة من الهواء المنعش والمناخ الصحي. .
بلا ادنى شك ان توجه مصر والبلدان العربية الاخرى نحو السواحل هو الضمانة الاكيدة لبناء تجمعات سكانية واسعة ونظيفة، خالية تماما من الملوثات والنفايات. .
اللافت للنظر ان جمهورية مصر العربية ظلت تعتمد على نهر النيل في معظم مشاريعها، ولم تستفد من تجارب البلدان الخليجية التي ليست لديها أنهار ودلتاوت كبيرة كالنيل والفرات ودجلة وشط العرب، ومع ذلك ليست لدى الامارات أزمة في المياه اللازمة لارواء أكبر غابات النخيل في الوطن العربي، فكل مياه السقي تأتيها من البحر ومن مشاريعها الزرقاء في التحلية والتصفية، وهكذا الحال بالنسبة للكويت وقطر والبحرين والسعودية، ليست لهذه البلدان أية أنهار أو جداول أو سواقي أو أهوار أو بحيرات عذبة، ومع ذلك تراها تنتعش زراعياً وصناعياً وتجارياً بوتيرة متصاعدة ومتسارعة. وبناء عليه فأن مصر ينبغي أن تتوجه بكل قوتها الآن نحو تفعيل المشاريع البحرية المستقبلية وبكل الاساليب الاستثمارية لتحقيق اعلى الموارد واعلى المكاسب والخروج من الازمات المتلاحقة. ولها في مشاريع البلدان الخليجية رؤية واضحة لا تحتاج إلى دراسة الجدوى الاقتصادية لأي مشروع من مشاريع الآفاق الزرقاء. . .