بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
قبل 32 سنة وقعت ابشع وأكبر مجزرة حربية في تاريخ البشرية، مجزرة ارتكبتها الجيوش الغربية والعربية في ليلة الخامس والعشرين على السادس والعشرين من شباط (فبراير) عام 1991. عشرات الفرق العراقية تبخرت في تلك الليلة، وآلاف الدروع والعجلات والمركبات والآليات والمدافع صُهرت في ليلة واحدة. مجزرة راح ضحيتها 70% من تعداد الجيش العراقي. مُزقت أجسادهم وبعثرت أشلاءهم في الصحراء المفتوحة بين العبدلي والرميلة. .
كان بطل القادسية المزعوم يقبع في ملجأه الحصين، ويختبئ كعادته تحت طبقات الأرض، ويجتمع بالفريق الكارتوني (حسين كامل) الذي لم يخدم يوماً واحداً في الجيش. .
التفت صدام إلى صهره (حسين) قبل وقوع المجررة ببضعة ساعات، وقال له:- فريق حسين إذا قلت لك اسحب القطعات العسكرية الموجودة بالكويت، تقدر تسحبها هذه الليلة بدون خسائر كبيرة ؟…
فجاء الجواب الفوري من الفريق (حسين) بكل غباء وغرور وتخلف: (أي نعم سيدي، عد عيناك، هسه اسحبهم بلا خسائر). .
وهنا وقعت الكارثة، فعلى مدار ساعات قليلات كان فيها الطيران الامريكي والطيران العربي والطيران الأوربي يفتك بجنود العراق الذين كانوا بلا حماية وبلا غطاء جوي في طريقهم إلى البصرة في إنسحاب عشوائي محفوف بالمخاطر. .
كانت طائرات التحالف تحلق فوقهم على ارتفاعات منخفضة وتنتقي اهدافها كيفما تشاء. ثم تصب حممها فوق رؤوس الاعداد الهائلة من الجنود والضباط. لدرجة ان الدبابات تحولت إلى خردة، والتصقت الشاحنات المنصهرة باسفلت الطريق، وذاب زجاجها الأمامي، وبات من المتعذر معرفة فيما إذا كانت تحمل جنوداً ام لا. .
وفي صباح يوم 26 فبراير 1991 كان صدام يقرأ خطابه الذي أعلن فيه الانسحاب، والذي جاء فيه: (لقد قاتلتم، أيها النشامى، جيوش ثلاثين دولة وقدرات عدد أكبر من هذا العدد). . .
كان صدام يقرأ البيان الختامي لأم المهالك، بينما كانت الفضائيات العالمية تنقل صور المشاهد المرعبة، حيث لا مشهد يعلو فوق مشهد الجثث المحترفة، ولا رائحة أبشع من رائحة الموت، نفذتها غارات حاقدة أقل ما يقال عنها انها جريمة حرب مكتملة الأركان، يُسأل عنها بوش الابن، عندما اعطى اوامره بقتل الجنود المنسحبين من الكويت ضارباً عرض الحائط بكل الاعراف والمواثيق الدولية. ويُسأل عنها صدام الذي قام بتكليف حسين كامل بمهمة الانسحاب العشوائي بلا غطاء. .
لقد ارتكب صدام في تلك الليلة أكبر الأخطاء الاستراتيجية في التاريخ الحديث، وتسبب بتدمير أكبر الجيوش، وراح ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين، وأقحم البلاد والعباد في صراعات وأزمات كارثية. .
فهل من الحكمة ان يقامر صدام بجنوده ويلقي بهم في أتون معركة خاسرة تقودها ضده 30 دولة ؟، وهل من الحكمة تكليف رجل تافه بمهمة سحب القوات كلها في ليلة واحدة وسط النيران المتفجرة في الحقول النفطية ؟. وهل من العدل ان يخضع كبار قادة الجيش من أمثال: بارق عبدالله الحاج حنطة، وعصمت صابر عمر، وكامل ساجت الجنابي، لأوامر المدلل حسين كامل ؟، والمؤسف له ان نهايتهم كانت الإعدام رمياً بالرصاص تحت عنوان شهداء الغضب ؟. .
من كان يتصور ان حسين كامل الذي كان في عام 1975 يتمنى الحصول على رتبة (نائب مفوض شرطة) يصبح بين ليلة وضحاها قائدا للجيش، وثاني رجل في الدولة ؟، ولك ان تتخيل كيف يكون مصير الجيش عندما يتحكم به هذا الجاهل. .
مشكلتنا في العراق ان الدولة وحتى يومنا هذا لا تؤمن بمبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب، وترفض العمل بقواعد التوصيف الوظيفي، حتى يخال إلينا أننا وصلنا إلى زمن يُمنع فيه الاذكياء من التفكير بصوت عال كي لا يعكروا مزاج الحمقى. .