بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
ظلت آثارنا منذ القرن الماضي خارج الاهتمام، ثم تعاقبت عليها سياسات الإهمال والتهميش، حتى أصبحت نهباً لمن هب ودب. .
حول هذا الموضوع نذكر ان مدينة أور القديمة تحتضن حوالي 2000 مقبرة سومرية يعود تاريخها إلى 4800 سنة، وقد تم تصنيف 16 قبراً منها على أنها قبور ملكية، وذلك نظراً للكنوز الرائعة الموجودة بداخلها، والتي تضم القلائد الذهبية، والأدوات البرونزية، والأختام الأسطوانية، والآلات الموسيقية، والجدران المزججة، فضلاً عن القطع الأثرية المرتبطة بالطقوس الجماعية. وقد جرى نبشها من قبل عالم الآثار البريطاني ليونارد وولي (Leonard Woolley) في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ما أدى إلى نهب العديد من آثارها الثمينة، وترحيلها إلى المتحف البريطاني في لندن بدلاً من بقاءها في العراق، ثم انتقلت بعض الآثار إلى متحف جامعة بنسلفانيا للآثار والأنثروبولوجيا في فيلادلفيا (University of Pennsylvania). .
باشر ليونارد وولي بأعمال التنقيب في مقبرة أور الملكية عام 1922. وأنهى أعماله في العام التالي، ثم باشر بحفر خندق بالقرب من أنقاض الزقورة. حيث اكتشف في هذا الموقع أدلة على مدافن ومجوهرات من الذهب والأحجار الكريمة فأطلقوا على الموقع اسم: خندق الذهب (gold trench)، لكن (وولي) قرر تعليق أعمال التنقيب في ذلك الخندق، لأنه شعر بافتقاره للخبرة التي تؤهله في التعامل مع هذا النوع من المدافن، فكرّس جهوده في البحث عن المباني قبل عودته إلى الخندق الذهبي عام 1926. فاكتشف مجموعة من القبور البسيطة، التي وُضعت فيها الجثث في توابيت من الطين، أو ملفوفة في حصير من القصب. وكانت تحتوي على عدد قليل من المواد الجنائزية كالأواني الخزفية، والقطع الشخصية، وكميات صغيرة من المجوهرات. ثم اكتشف قبوراً مختلفة عن البقية. لم يُدفن فيها الموتى في حفر، بل في توابيت حجرية، وكانوا مصحوبين بكمية كبيرة من المواد الفاخرة. يُعتقد أنها كانت لملوك. وتم اكتشاف أساسات لهرم عمره 3300 سنة يحتوي على حجرة للدفن، وهو من القبور الاستثنائية التي سلمت من النهب والعبث، ووجد قبراً لملكة فيه قبعة ذهبية متقنة الصنع ومزينة بأوراق، وشرائط ذهبية، وخيوط من اللازورد، وخرز من العقيق، وزوج من الأقراط الكبيرة على شكل هلال، وخواتم تذهل العقول. .
وعثر في إحدى المقابر على شيء مهم، وإن لم يتم التعرف عليه بعد. أصبح هذا الشيء يُعرف باسم: معيار أور (The Standard of Ur)، كان عبارة عن قطعة أثرية مكونة من صندوق خشبي، يُعتقد أنه يضم أرشيف عسكري يعرض تسلسلاً سردياً. بالإضافة إلى كونه مزيناً للغاية باللازورد الثمين والصدف والحجر الجيري الأحمر، ويصوّر الصندوق رجالاً يحملون رموزاً، أو يقودون القرابين نحو أشخاص يجلسون في أماكن مرموقة، ويشاركون في وليمة برفقة الخدم والموسيقيين. يصوّر الجانب الآخر من الصندوق رجالاً في عربات يدوسون على أجساد الأسرى، ويقودون السجناء نحو رجل ذو مكانة رفيعة . .
وللحديث بقية. . .