بقلم : فالح حسون الدراجي ..
اتصل بي الزميل علاء الماجد، سكرتير تحرير جريدتنا، يسألني عن الوسيلة التي يمكن بها إيصال مشكلة تخصه، وتخص ( 500 ) صحفي عراقي، الى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.. واصفاً قضيتهم بما هي اكبر من المشكلة.
ومن طبيعة كلامه أدركت أنه يريدني شخصياً تولي هذه المهمة، لكنه يتحرج من عرض رغبته عليّ بشكل مباشر، فهو يعلم تحسسي من الخوض في مثل هذه الموضوعات، رغم ان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم يغفل مشكلة عرضتها عليه في مقالاتي، فقد عالج الرجل، جزاه الله خيراً، مشكلتَي الشاعر جبار صدام، وصاحبة المشغل في قضاء الخضر بمحافظة السماوة، بحيث حُلت المشكلتان بأمر من دولته شخصياً، ومتابعة من مستشاره النشيط الدكتور حازم وطن..
لكني شجعت الزميل (أبو سوزان) على عرض هذه المشكلة دون حرج، فهي ليست مشكلة شخصية، إنما هي بلوى يعاني منها خمسمائة صحفي وزميل عزيز.. لذلك انتابني شعور مزدوج، مصحوب بدهشة واستغراب، حين سمعت بقصة هذه المعاناة المرّة. فهو شعور مضحك ومبكٍ في آن واحد، إذ لا يمكن لي تصديق ذلك قطعاً..
وإلا كيف يعقل ان يعاني صحفيون بارزون، لديهم اقلام بأنياب (تذبح الطير) وتسلخ جلود المسؤولين الفاسدين.. ولهم أسماء تحظى برصيد كبير من السمعة الطيبة والرصيد الشعبي المحترم، فضلاً عن كونهم اصحاب حق، يتعرضون لمثل هذا الظلم الشنيع لعشر سنوات، دون أن يقيموا الدنيا ويقعدوها على رؤوس الظالمين، والمقصرين بحقهم من المسؤولين، خاصة وأن القضية لا تتعلق بهم شخصياً فحسب، إنما تتعلق أيضاً بعوائلهم، ومستقبل أبنائهم! ..
إن مهمة الصحفي هي الدفاع عن حقوق الناس، وعرض مظالم المواطنين، وتسليط الأضواء على المناطق السلبية المعتمة في بنية الأداء الحكومي.. وسيكون الأمر اكثر مرارة حين يظلم الصحفي، ويجد نفسه عاجزاً في الدفاع عن نفسه، فيبحث عمن يعرض له مشكلته !!
في البدء فكرت في بيت الشعر الذي قاله سعيد بن منصور الواعظ:
” طبيب يداوي الناس وهو عليل” !
لكني تذكرت أن هؤلاء الزملاء ليسوا أعلّاءً أو مرضى، إنما الحكومات السابقة هي العليلة المريضة، وعلتها تكمن فيها، وفي مؤسساتها الخدمية دون استثناء..
لذلك حضرني في الحال ذلك الموال (الزهيري)، الشهير الذي كتبه الشاعر الشعبي الكبير ( الحاج زاير) قبل أكثر من قرن، وغناه المطرب الكبير محمد القبانچي، إذ قال متسائلاً “يا ناعس الطرف حظ الجالسك يا عون
الناس بهواك سكرى لا تظن يا عون
انت الذي دوم ردتك للشدايد عون
وخيول هجرك تردهن بالوصل لو جن
وهلال سعدي يهل ليلي علي لو جن
والناس (لي) عون تكصد بالذي لو جن
إلمن يودون، گلي، لو تسودن عون ” ؟!
واعتقد ان ما قصده الشاعر ينطبق تماماً على حالة 500 صحفي عراقي يبحثون منذ عشر سنوات عمن يرشدهم الى حل لمشكلتهم.. فقد كان الناس البسطاء يذهبون بمن يصاب بالجنون الى مقام (عون) ليشفى من جنونه، لكن ثمة سؤالاً إفتراضياً مفاده: الى أين يذهبون بعون إذا جنّ ؟!
والصحفي الذي يعرض مشاكل الناس، ويسهم في حلها، من ياترى يعرض له مشكلته ويسهم بحلها ؟!
نعم، من سيطالب بحقوق الصحفي حين يجد نفسه عاجزاً عن الدفاع عن حقوقه المهدورة، ومن سيصرخ بقلمه دفاعاً عن أصحاب القلم، ومن يصدق ان الصحفيين الذين يقاتلون بأقلامهم واصواتهم واظافرهم إن احتاج الأمر دفاعاً عن حقوق الناس، عاجزون عن المطالبة بحقوقهم؟!
وبحياء تام، قال لي زميلي علاء الماجد: ألا تعتقد أن الرئيس محمد شياع السوداني سيهتم بموضوعنا، إذا تناوله قلمك بمقال افتتاحي ؟
وهل سيحل مشكلتنا التي غضّ الطرف عنها ثلاثة رؤساء حكومات عراقية؟!
قلت له: أعتقد ذلك، ولكن قل لنا المشكلة بالضبط؟
قال: في العام 2013 استحصلت نقابة الصحفيين العراقيين مشكورة، موافقات رئيس الوزراء بمنح الصحفيين الاعضاء قطع اراض، وقد كانت الوجبة الاولى 500 قطعة في منطقة النهروان ولأن عدد الصحفيين كبير، فقد اجريت قرعة علنية في المسرح الوطني حضرها آلاف الصحفيين المشمولين، وقد فاز 500 صحفي- وأنا من ضمنهم- علماً بأننا خضعنا لجميع الشروط والضوابط المطلوبة، من بينها عدم تملك الزوج والزوجة أي دار سكن، او قطعة ارض.. مع دفع البدل المالي للأرض وقيمته 900 ألف دينار..
وقد كان يوم تسلمي سند (ملك صرف) من دائرة العقاري يوم عيد عندي، وعند كل من شمله الأمر. وحين ذهبنا الى تلك الاراضي فوجئنا بعدم توفر أي من متطلبات السكن، لا خدمات ولا بنى تحتية، ولا هم يحزنون.. وقد راجعنا دوائر الامانة والكهرباء والماء والمجاري دون جدوى، فاضطررنا الى السكن بالإيجار في مناطق قريبة.. واليوم وبعد عشر سنوات، فإن قطع الاراضي في النهروان باقية على حالها، ولم تشيد فوقها دار واحدة، إذ أي مجنون يبني داراً في منطقة ليس فيها ماء ولا كهرباء ولا مجاري ولا شوارع مبلطة؟!
كنت أنصت لحديث اعلاء، وقد حضر في بالي ذلك ( الامريكي البطران) الذي شيّد داراً وحيدة على قمة جبل عال في منطقة سكني بولاية كاليفورنيا، فاضطرت الحكومة الى أن تمد له خطوط الكهرباء والتلفون وانابيب الماء والغاز، وأن تبلط له شارعاً فرعياً خاصاً طوله 3 كم ، يمتد من الشارع العام حتى بيته، وتبعث له سيارة البريد كل يوم تنقل اليه وتاخذ من صندوق بيته البريدي كل مراسلاته، فضلاً عن سيارة النظافة التي تواظب على زيارته بانتظام، وغير ذلك من الخدمات.. كل هذا الجهد تم تنفيذه خلال اقل من اسبوعين، واقسم لكم بان هذه الخدمات انجزت لبيت واحد، ليس فيه سوى مواطنين اثنين عاديين .. تخيلوا أن شخصين يحصلان على كل هذه الخدمات بعشرة أيام، و 500 صحفي عراقي ينتظرون الكهرباء والماء منذ عشر سنوات !
أدرك علاء ما كنت أفكر به وصمت قليلاً، لكني قطعت عليه صمته وقلت له: “ثق ياعلاء إذا قرأ الرئيس محمد السوداني هذا المقال، واطلع على مشكلتكم، فلن ينام ليلته، حزناً وأسفاً لما حصل لكم من قبل تلك الحكومات، وسيبادر على الفور لحلها، فهذا الرجل (مختلف) عن غيره حسب رأيي. وكما يبدو لي أنه متحمس جداً لحل معضلة السكن في العراق، وتخفيف الاعباء عن أبناء الطبقة الكادحة.. وما مشروع مدينة الصدر إلا جزء من حماسته هذه.. لذا اطمئن، وانتظر (نخوة) هذا العماري !!