بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
القاسم المشترك لمعظم المنظمات حول العالم إنها: رقابية ومجتمعية ومستقلة. تستمد قوتها من التشريعات والقوانين النافذة، وتتلقى تمويلها من الهيئات والوكالات الدولية. وهذا يعني ان أي منظمة لابد ان تفقد شرعيتها إذا كانت تمارس نشاطاتها برعاية الدولة ودعمها المادي. بمعنى آخر ان منظمات المجتمع المدني تفقد حياديتها، وتتخلى عن دورها الرقابي والإنساني والتنموي في المجتمع، وتصطف مع بقية مؤسسات الدولة التي تغدق عليها الأموال وتغطي احتياجاتها. .
فبعد أن كانت المنظمات قبل سقوط النظام السابق تابعة للدولة، ومنفذة لبرامجها، وخاضعة لسلطانها، إلا انها نالت استقلاليتها واستعادت حياديتها بعد اعادة تأسيسها بعد عام 2003، واصبحت تعمل بمعزل عن نفوذ الاحزاب وبمنأى عن سلطة الدولة، ثم اكتشفت الأحزاب المتنفذة ان إستقلالية تلك المنظمات وحياديتها لا تخدم اهدافها التنظيمية، فتبنت الكثير منها، واحتوتها، واستأصلت روابطها مع الهيئات الدولية، وراحت تصب جام غضبها على الوكالات الدولية، وتنعتها بابشع النعوت والأوصاف، من دون ان تنتبه الدولة الى انها حرمت نفسها من مصادر التمويل الخارجية (السخية)، ومن دون ان تدرك انها قطعت روابطها مع العالم. .
مثال على ذلك نذكر ان البرنامج الدولي لتمكين المرأة والشباب والأطفال في العراق لديه ارصدة عالية بالعملة الصعبة، وعلى اتم الاستعداد للإنفاق على مشاريعه الداعمة للمرأة والشباب، وان تدخل الدولة في هذا الشأن سيؤدي حتماً الى حرمان المرأة العراقية من استحقاقاتها الدولية، وحرمان الشباب من فرص متاحة وكثيرة يمكن توفيرها لهم عن طريق العمل المدني من خلال المنظمات المستقلة. .
نذكر أيضاً ان وكالات التنمية السويدية والكندية والاسترالية والأمريكية على اتم الاستعداد لصرف المبالغ المخصصة لدعم المرأة العراقية والشباب، لكن هيمنة الدولة على منظمات المجتمع المدني قد يحرم المرأة والشباب من منافذ التمويل الخارجي، وبالتالي فان الشباب والطفل والمرأة العراقية سيتعرضون إلى خسارة فادحة دونما سبب مقنع. .
من المفيد ان نذكر ان هذه الخسائر لا تقتصر على المرأة والشباب والطفل، وإنما تشمل نشاطات المنظمات كافة، والتي بطبيعة الحال تقدم خدمات مباشرة للقطاعات الهشة في المجتمع. ويتعين على الدولة ان تسارع لتصحيح هذا التشتت غير المجدي في العلاقات الدولية. .