بقلم : هادي جلو مرعي ..
في زمن التيه والفوضى يبحث عن الناس عن هوية ويرغبون بالوصول الى مبتغياتهم ويتحولون الى مهن غير مألوفة، بل هي في الواقع ليست مهنا مطلقا إنما هي سلوك منحرف سببته الحاجة، وضيق ذات اليد، والشعور باللاجدوى، والهزيمة في مواجهة التحديات حيث يصعب على من لايمتلك أدوات كافية من القوة والتفكير والمهارة أن يكون سويا في الحياة، معتدلا في الرأي فلايجيد غير لعبة الإرتزاق والإحتيال والكذب حتى يتحول المجتمع الى التخادم بين الأخيار والأشرار فهولاء يرتكبون الحماقات والجرائم، ويكون الأخيار في مساحة الدفاع عنهم، والتقليل من حجم الضرر الذي تسببوا فيه للمجتمع، وحولوا حياة أسر كاملة الى جحيم، فهذا سارق، وذاك قاتل، وآخر محتال، ورابع يمارس مهنة الشعوذة وغيره ينتحل صفة الصحفي والطبيب والمهندس والخبير والمحلل السياسي ويتصدى لشؤون العوام والخواص ويسوق نفسه حلالا للمشاكل وسعيدا بمايقوم به !!
وهناك أصناف من الحيل والأكاذيب التي يمر عبرها هولاء الى مرادهم، بل ويكون منهم القساة العنيفون الذين لايبالون بالنتائج عندما يقدمون على أمر وفيه منفعة ما كوجاهة، أو منصب، أو مال، ويكون الله في عون العامة من الناس الطيبين الذين لايكون لهم نصيب في شيء لأنهم في مساحة متاحة لأصحاب الحيل والألاعيب الذين يريدون الوصول الى الأهداف التي يرسمونها دون أن يبذلوا جهدا، والحديث المعروف يقول ( لاراحة في الدنيا ولاحيلة في الرزق) حتى إن بعض المهن التي يعرفها الناس ويعجبون بها وبمن يمتهنها تمثل سلوكا لايمت بصلة للطبيعة التي يستجلب بها الرزق وهذا معنى الحيلة في الرزق أي إن العمل الموسوم بالرزق الحلال والذي لايؤذي الناس ولايخرجهم عن سلوكهم الطبيعي يعد نوعا من مهن الإحتيال التي لاينتهي معها الإنسان الى حال جيد، بل تكون نهايته سيئة وتعيسة ويكاد صاحبها يصل الى حال الإستجداء والإبتلاء والضياع ويتحسر على قريب يرعاه وصديق ينعاه وحال خير يتمناه.
يواصل هولاء، وهم خلق كثير تحركهم في مساحة من المجتمع، ولايبالون بما يعترضهم، ولايعودون ينتبهون الى عرف، أو قانون، أو شريعة لأنهم بإختصار تخلوا عن القيم والمبادىء والتقاليد المجتمعية الطيبة وصار ميدانهم اللعب على الحبال وطرق الأبواب جميعها فلاتعود من هيبة لأحد في نفوسهم لأن نظرتهم للجميع أنهم أهداف مشروعة لتحاليهم أو لتهديدهم أو لتلاعبهم بالقوانين وإغواء البعض ممن يملكون سلطة قرار في موضع ما ولو كانت سلطة وضيعة وبسيطة، فالعالم بالنسبة لهم ميدان للكسب، وبستان مشاع، وفيه أصناف من الفواكه اللذيذة، وماعلى الواحد منهم سوى أن يشرع بالسعي والجري والزحف في إتجاهات عدة لتحقيق منافع وفوائد ليس مهما عندهم أن تكون قانونية، أو غير قانونية لأن من غادر دائرة إحترام القانون، وإمتهن الوصول الى مايبغي دون إهتمام بالطريقة هان عليه عدم إحترام الأخيار، وتجاوز كل حد، وتحدى كل قانون لأن بيئة القانون لاتلائمه، بل تهدد وجوده. فقوة القانون وتطبيقه بقوة وبرقابة عالية يمنع وجود هولاء السيئين ولذلك يهربون من القانون ومن دعاته ومن يقومون بإنفاذه لأنهم مثل أنواع من الحشرات والديدان لاتعيش إلا في بيئة قذرة.
سيدة طيبة شرحت لي مهنتها، ووجدت إنها مهنة متعبة ومرهقة للغاية لايقوى عليها كل أحد، كما إنها تجيد اللغة الإنكليزية، وتحتفظ بمهارات عالية، وتمارس عملها بمشقة، ولكنها ناجحة على أية حال، وهو نجاح مرتبط بالإجتهاد والإخلاص،والتحلي بالمسؤولية العالية المخلصة، وعندما وجدت مالديها من مهارات وقدرات واضحة، وتحدثت لها عن تجارب عشتها في مناسبات عدة شعرت برغبة في الحديث عن الظروف التي تحيط بعمل أصحاب المهارات العالية والقدرات الفذة، وفكرت لو كنت بلا عمل، ثم صادفتها في مكان ما ، وعرفت ماتمتلك من قدرات، فهل أجرؤ على أن أنافسها في ميدانها، لكنني قلت لها: هل من عمل لي؟ ثم قلت لها إجعليني مستشارا عندك حتى إذا سألني أحدهم عن عملي قلت له: إن وظيفتي هي مستشار عند الخالة أم علي، وكان علي ولدها البكر! فضحكت، وإنتهينا الى حديث آخر.