بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لكي نضع النقاط على الحروف دعونا نعيد صياغة السؤال بعبارات مستفزة، فنقول: متى يتجرد المؤرخ من ميوله الطائفية ؟، ومتى يتخلص من توجهاته العنصرية ؟، ومتى يتخلى عن أدواته الانتقائية ؟، ومتى يتحرر من محاباته للحاكم ؟. ومتى يتحصن ضد فيروسات العناد والخبال والمبالغة والمغالطة ؟. ومتى يتمسك بالمصداقية ولا يحيد عنها ؟. .
فالحملات التي استهدفت السومريين لم تأت من فراغ، واحيانا يشترك فيها بعض أساتذة الآثار بأساليب فجة تثير الدهشة. مثال على ذلك نذكر: ان الدكتور (بهنام ابو الصوف) كان من ضمن الذين استعان بهم الاعلام في حملاته الموجهة ضد سكان جنوب العراق بشكل عام، وضد شريحة (المعدان) على وجه الخصوص، الذين اثبتت الدراسات التحليلية والفحوصات المختبرية انهم يمثلون بقايا السومريين. فأختار معلومة غير دقيقة ذكرها مؤرخ واحد من الذين وظفتهم الدولة الاموية في مشاريع الإساءة إلى سكان الأهوار بسبب مواقفهم المعلنة ضد (الحجاج الثقفي). وربما أنساق وراء المقالات العدائية التي نشرتها جريدة الثورة في التسعينيات، وكانت بعنوان: (ما الذي حصل ؟، وكيف حصل الذي حصل ؟)، ومكتوبة بمداد الحقد والكراهية من أجل إلهاء الناس عن المآسي والهزائم التي لحقت بالجيش في يوم الفتك العظيم، وراح ضحيتها 70% من تعداد الجيش المنسحب عشوائياً من الكويت. .
أغلب هؤلاء درسوا على مختار واحد، فتوارثوا التحريف والتزييف والتدليس، وزرعوا بذور الكراهية. . مازلت أذكر كيف انبرى ابن الموصل، الشهيد ضرغام هاشم، وحده للرد على سلسلة المقالات الموجه ضد أبناء الجنوب. .
انظروا الآن كيف انشغلت الجامعات الأوربية والامريكية منذ القرن الخامس عشر الميلادي في فك ألغاز الحضارة السومرية، بينما لا نجد هذا الاهتمام داخل بلاد ما بين النهرين، فعلى الرغم من ان السومريين هم أقدم من سكن العراق، وأول من شيّد حضارة متقدمة شملت أقدم أنظمة الكتابة، والفنون والعمارة وعلم الفلك والرياضيات، ولهم اختراعات كثيرة: كالمحراث والمراكب الشراعية والأنظمة الرقمية، وعلى الرغم من إنهم عاشوا منذ نحو 7000 سنة، وجعلوا من بلاد الرافدين (مهداً للحضارة). لكنك لن نجد من ينصفهم في العراق إلا القلة القليلة. .
اذكر انني قرأت (تحليلا) اركيولوجيا قبل بضعة أعوام يرسم فيه (المحلل) صورة بشعة للسومريين، وينتقد فيها اطوالهم واشكالهم وضخامة أنوفهم، ولا ادري من اين جاء بتلك المعايير الجمالية المضحكة. .
اما الآن وفي غمرة إنشغال العالم بالانوناكي، وملحمة الطوفان، ونظريات زكريا سيشن عن الكوكب الثاني عشر (نيبيرو)، لن تسمع في العراق سوى حملات الاعتراض والتنديد بكل وطني غيور حتى لو كان يمتلك نصف الحقيقة، في حين لم يعترض احد عندما طوقت الفرق الامريكية زقورة اور، ونبشت الأرض هناك عام 2003 فقلب عاليها سافلها، واستحوذت على كنوزنا مستعينة بأحدث التقنيات، ثم اخذتها معها من دون ان نعرف ماذا أخذت ؟، وما الذي عثرت عليه ؟. وكل القصة وما فيها لا احد يهتم بالسومريين بدوافع اشتركت فيها الانظمة الحاكمة في العراق منذ عقود وعقود. . .
وللحديث بقية. . .