بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
تحررت النيجر من الهيمنة الفرنسية بعد تحرر بوركينا فاسو وغينيا ومالي وتشاد. وشهدت القارة السمراء 27 انقلاباً منذ عام 1990. اطلقت فيها الشعوب صرختها المدوية ضد الشركات الفرنسية المتخصصة بنهب ثرواتهم وإفقارهم وحرمانهم من تقرير مصيرهم. فلم تعد فرنسا مثلما كانت عليه في السابق، وأصبحت سفاراتها أهدافا معرضة للرجم بالحجارة في معظم العواصم المنتفضة. ولم يعد باستطاعتها ممارسة سياساتها القمعية، وفشلت في تفعيل بنود الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع البلدان الافريقية بصيغة الدفاع المشترك. فقد نفذ صبر الأفارقة في تحمل الوجود الفرنسي، وطفح بهم الكيل. .
وفي ظل هذا الطوفان الشعبي وجدت فرنسا نفسها عاجزة تماماً عن التدخل عسكرياً لإعاد الرؤساء المخلوعين التابعين لها، والذين كانت تنظر إليهم الشعوب على أنهم عملاء لها. .
لا شك ان فرنسا كانت تتابع مؤشرات الغليان في الشارع الافريقي، وربما حاولت النأي بنفسها عن الاتهامات الموجهة لرؤوس الفساد في تلك الأنحاء، لكن تلك الرؤوس كانت مرتبطة مباشرة بشركات التعدين الفرنسية، ولم تعد الفضائح خافية على الناس. وهكذا تدهورت قدراتها في الصمود أمام الجماهير الغاضبة، ما جعلها عرضة بشكل متزايد للنقد والازدراء. ناهيك عن الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها في تعاملاتها مع مستعمراتها السابقة على مر السنين. .
ثم جاء انعقاد القمة الروسية الأفريقية الأخيرة في سانت بطرسبرغ، التي أعلن فيها زعماء بوركينا فاسو ومالي دعمهم للرئيس فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا. وكانت الأبواب مفتوحة لاستقبال قوات فاجنر والترحيب بهم كبديل متلهف لإطلاق النيران ضد القواعد الحربية الفرنسية. بينما كانت الأبواب الأخرى مفتوحة للشركات الصينية التي باشرت بتنفيذ مشاريعها الاستراتيجية في المدن التي كانت ترزح تحت قبضة الاستعمار الفرنسي. .
بات واضحا ان المستعمرات الفرنسية السابقة بدأت إظهار عدم رضاها عن سياسات باريس من خلال الانقلابات والانتفاضات الشعبية. في الوقت الذي تزايد فيه النشاط الروسي في القارة السمراء من خلال الدور التحرري الذي تلعبه فاجنر. .
ختاماً: أغلب الظن ان القارة السوداء سوف تتحول إلى حلبة مفتوحة للتنافس الصيني الروسي الأمريكي. في حين ستشهد الوقائع خروج فرنسا من التصفيات الدولية، ومن المتوقع الإعلان عن خروجها من القارة بسواد الوجه. .