بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
كانت احتفالية يومنا الوطني من حفلات الطبقات المخملية البورجوازية بإمتياز 100%. بل انها اقتربت كثيراً من احتفالات توزيع جوائز الأوسكار في هوليوود. .
ليلة ظهرت فيها المفاتن السليكونية الغارقة بالعسل، وفاحت منها روائح العطور وأريج البخور، وانشغلت العدسات بتصوير الفساتين المفتوحة من الكعب إلى الحزام وفوق السّرة. حيث الصدور العارية، والأرداف العالية، والمجوهرات الغالية، والسيقان المصقولة، والمباسم المعسولة. ليلة يحلم بها ملوك الاندلس في زمن الجواري والغواني. . ليلة تستحي منها إعتماد الرميكية، و ولّادة بنت المستكفي، و ساجدة عبيد، و صبيحة ذياب، وغزلان. .
اعتذر العراقيون كلهم في تلك الليلة لكاتب النشيد الوطني الشاعر الفلسطيني (إبراهيم طوقان)، واعتذروا أيضاً للموسيقار اللبناني (محمد فليفل) بسبب تلاعب (شذى بنت الحسون) بالكلمات. ربما لم تكن تقصد، وربما ارتبكت فتلعثمت وأخطأت. .
قالت شذى: (البهاء والدناء. . والهناء والرداء . . ناعماً منعما). والدناء في لغتنا العربية الرصينة هو أسوأ درجات الخسة والنذالة والانحطاط (أعزكم الله)،. لا ريب انها لا تقصد الإساءة. ولا ادري من أين جاءت بكلمة (الرداء) في حفلة ظهرت فيها النساء بلا رداء ؟. ونحمد الله انها لم تقرأ انشودة كوكب الشرق (بغداد يا قلعة الأسود) للشاعر الكبير (محمود حسن اسماعيل)، لأنني كنت اخشى ان تستبدل كلمة (الأسود) بكلمة أخرى تستعيرها من الخدود أو النهود فتتجاوز الحدود. .
اما المقطع الذي قالت فيه: (ناعماً منعماً) فهي المرة الأولى التي نسمع فيها ان العراق صار من البلدان الحريرية الناعمة الملمس، على الرغم من ظروفنا القاسية، وعلى الرغم من كل الحروب والمآسي والأزمات والنكبات والجور والظلم والمصائب التي وقعت فوق رؤوسنا. .
سمعت احدهم يصيح في تلك الليلة من مسافة قريبة: إن العراقَ حضارةٌ وريادةٌ وصهيل خيلٍ قد عدت وبنود. هو روضةٌ للطيبين حفيّةٌ لكنّه للمعتدين لُحودُ. ما مرَّ خطبٌ أو عرتْهُ شدةٌ إلا حلفتُ بأنه سيعود. وهو المظفّرُ رايةً ومكانةً يعلو ويقتحم الدنى ويرود. .
انتهت الحفلة، واسدلت الستارة، وذهب العراة إلى مخادعهم وفنادقهم الخماسية، تحميهم السيارات المدرعة وتحملهم العربات المصفحة، ولا ندري كم بلغت خسائرنا الاجمالية تلك الليلة بالعملة الصعبة ؟، وما الذي استفدناه من حفلة يستحي منها الفرنسيون في مهرجان (كان) السينمائي ؟، وهل للمدعوات العاريات علاقة باستقلالنا ومستقبلنا في اليوم الذي اختفى فيه اسم العراق من الترتيب الدولي للبلدان المبدعة في مشاريع التطوير والابتكار على لائحة (Global Innovation Index) ؟. .
لم استطع النوم تلك الليلة. تألمت كثيراً وفي قلبي حزن عميق لا يراه أحد، وفي وجداني كلام لا يسمعه أحد. فالعراق موطني: لو شُغِلْتُ بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي. .