بقلم: فالح حسون الدراجي ..
كنا ولم نزل نواجه صعوبة عند اللقاء بالمواطنين العرب في عواصم الأردن ومصر والمغرب وتونس واليمن وبقية العواصم والمدن العربية. والصعوبة التي نواجهها تكمن في كيفية إقناع هذا (الشقيق) بحقيقة صدام حسين .. إذ ما أن يعرف المواطن العربي أنك من العراق حتى ينهال عليك بكلمات المديح وعبارات الإطراء، ليس لأنك مواطن قادم من بلاد الحضارات، والتاريخ والأمجاد، بلاد نبوخذ نصر وسرجون وحمورابي، و( أبو حنيفة)، والشيخ احمد الوائلي، والشيخ شعلان أبو الجون وعبد المحسن السعدون ويوسف سلمان (فهد)، وكامل الچادرچي وعبد الكريم قاسم وسلام عادل والسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد صادق الصدر، وجلال الطالباني، وعزيز شريف، والكاردينال لويس ساكو، وغيرهم من الشخصيات العراقية الكبيرة.. ولا لأنك من موطن أنجب الجواهري، والسياب ونازك الملائكة والبياتي وسعدي يوسف وبلند الحيدري، ومظفر النواب، وعبد الرزاق عبد الواحد ولميعة عباس عمارة ويوسف الصائغ، وكاظم الحجاج، والحاج زاير، وعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الكاطع وعلي الشباني وجمعة الحلفي و ذياب گزار وكاظم الركابي وزهير الدجيلي وكريم العراقي، ومحمد خضير وشمران الياسري وغائب طعمة فرمان والتكرلي وجنداري، وعبد الستار ناصر وفاضل ثامر، وفهد الأسدي وعبد الستار البيضاني، وانعام كچه چي وعبد الرحمن الربيعي وجواد سليم وفائق حسن وشوكت الربيعي وفيصل لعيبي وليلى العطار ومؤيد نعمة وقتيبة الشيخ نوري، ويحيى الشيخ، وزها حديد ومحمد سعيد الصگار، ومحمد القبانچي وناظم الغزالي وزهور حسين وداخل حسن وسلمان المنكوب ومائدة نزهت وعفيفة اسكندر، وناظم نعيم وعباس جميل وفاروق هلال ومحمد نوشي، وطالب القره غلي وكمال السيد وكوكب حمزة وطارق الشبلي وطالب غالي وحميد البصري، ومحسن فرحان، وكاظم فندي وجعفر الخفاف، وعلي الإمام، ومنير بشير وسلمان شكر، وغانم حداد وجميل بشير وبياتريس أوهانسيان، ونصير شمه وأحمد مختار، وفؤاد سالم ورياض أحمد وياس خضر وسعدون جابر وقحطان العطار، وفاضل عواد، وحسين نعمة، وجعفر حسن، وسعدي الحلي، وكاظم الساهر، وكريم منصور، وسيتا هاگوبيان وفريدة، ويوسف العاني وقاسم محمد وسامي عبد الحميد، وناهدة الرماح، وخليل شوقي وقاسم حول ومكي البدري، وغازي الكناني، وجواد الشكرچي، وسامي قفطان وصباح عطوان، وصلاح كرم.. وقافلة لا تنقطع من المبدعين .. ولن تجد الترحيب من اشقائك العرب لأنك من بلاد قدمت للبشرية عالم الطبيعة الفذ عبد الجبار عبد الله، أو ابراهيم كبة، أو محمد حديد، أو علي الوردي، أو سعد الوتري، أو كمال السامرائي، أو الباحث في تاريخ الأديان الدكتور خزعل الماجدي.. ولا لأن بلادك قدمت نجوماً رياضية لامعة مثل علي الگيار، وعبد الواحد عزيز، وعمو بابا وجمولي، وعبد كاظم وستار خلف وبشار رشيد وفلاح حسن وعلي كاظم ورعد حمودي ودگلص عزيز، وهادي أحمد وحسين سعيد واحمد راضي وكريم صدام ويونس محمود وغيرهم من الفرسان، أو لأنك تحمل الحمض النووي لعظماء العلماء والفلاسفة والشعراء والموسيقيين العراقيين في التاريخ، أمثال الكندي وابن الهيثم، وبن اسحاق، وزرياب والمتنبي وغيرهم. أجل، فالعرب لا يحتفون بك من أجل عيون هؤلاء، إنما يرحبون بك فقط لأنك من بلاد أنجبت بالخطأ مجرماً اسمه صدام ..!!
وحين تقول لهذا المواطن العربي، إن صدام حسين قاتل، ودكتاتور، قتل وذبح الملايين من العراقيين في حروبه المجنونة وزنزانات الموت المظلمة، والإعدام شنقاً أو الاغتيال أو الإذابة في أحواض التيزاب، وما تجفيف الأهوار، والمجازر الشنيعة التي ارتكبها بحق أبناء الشيعة بعد انتفاضة ١٩٩١، ومجزرة الدجيل، وما ارتكبه بحق عشيرة الجبور، ومأساة الأنفال، وضرب حلبچة بالأسلحة الكيمياوية، وضحايا المقابر الجماعية، إلا بعض الأدلة على دموية صدام. لكن هذا الشقيق العربي، ومعه بعض البعثيين والسذج المخدوعين، سيقولون لك إن صدام ليس الحاكم الوحيد الذي قتل أعداءه وأعدم (المتآمرين) على حكمه، إنما ثمة غيره الكثير من الحكام أيضاً ..!
وهنا ستصل معهم الى طريق مسدود، لذا يتوجب عليك وقف النقاش والتوجه الى حلول أخرى.. أنا شخصياً، أعرض هنا أنموذجاً واحداً كمثال للإقناع لاغير، وهذا النموذج يمثل عدداً كبيراً من العراقيين الذين تعرضوا لبطش صدام دون ان يكونوا معارضين له، أو (متآمرين) على حكمه ! والنموذج الذي اقصده يتمثل بالشاعر العراقي الفذ سيف الدين ولائي، ذلك الشاعر الذي صنع بيده جمال الأغنية العراقية، والعراقي المترع بالوطنية من الوريد الى الوريد، و (الفتى) الذي خرج مع المنتفضين على زيارة (الفريد موند ) الى بغداد، وهو في الثالثة عشر من عمره، ليفصل على إثرها من المدرسة !
سيف الدين ولائي العراقي المولود في الكاظمية عام ١٩١٥، ابن فاضل المولود في العراق عام ١٨٨٥، ابن فرج المولود في الكاظمية عام ١٨٥٨،اتهمته عصابات صدام بالتبعية الإيرانية، وألقت به مع أسرته على الحدود العراقية عام ١٩٨٠ لمجرد أنه اعتذر عن كتابة الأغاني التي تمجد صدام.
وفي طهران، وبعد أن دققت وزارة الداخلية الإيرانية كل سجلاتها وكل قيودها منذ مئات السنين حتى لحظة التدقيق، لم تعثر على أي قيد لسيف الدين فاضل لديها، ولا لجده فرج، أو لأجداده وعشيرته واقاربه، مما دفع بسلطات طهران الى إعادته لخيمته في معسكر الحجز على الحدود، بعد أن اخبرته بشكل واضح بأنه عراقي وليس ايرانياً قط.. وللحق فإن الحكومة الايرانية منحته فرصة اختيار البلد الذي يرغب اللجوء اليه، فاختار سوريا.
وعندما سأله المسؤول الايراني عن سبب اختياره لسوريا دون غيرها، قال: سوريا قريبة من العراق، واستطيع أن أشمّ الهواء القادم من بلادي !
وهكذا لجأ مع عائلته الى سوريا، ليكون قريباً من العراق، ويشم هواء بلده الذي طرده، والقى به الى ذئب المجهول المفترس !
وبعد ثلاث سنوات قضاها في العوز والفقر والصمت والكآبة في سوريا، مات الشاعر سيف الدين ولائي، عام ١٩٨٤ ليدفن في مقبرة الغرباء الى جانب قبر (الغريب) محمد مهدي الجواهري وبقية (الغرباء) العراقيين. لقد رحل ولائي حزيناً دامعاً بعد أن ترك لنا الف أغنية، وكل اغنية أحلى من الأخرى، حتى لقب بشاعر الألف أغنية.. ومن بين أغنياته: سمر سمر، غريبة من بعد عينچ ييمه، عروسة والحبايب زافيها،جيرانكم يهل الجار، حگ العرفتونه وعرفناكم، سبعة ايام من عمري حلالي، مكدر أگولك مع السلامة روح للمطربة سميرة توفيق، وحركت الروح لمن فاركتهم/ وهذا مو انصاف منك / هلهلي بلله يا سمره/ يا حلو كلي شبدلك كلي/ هل ليله ليله من العمر/ على بالي أبد ما چان فركاك / أخاف أحجي وعليّ الناس يكلون/ على الميعاد أجيتك /أسألوه لاتسألوني اسألوه/ من علمك ترمي السهم ياحلو بعيونك،ياغريب اذكر هلك ياعمه ياعمه /الله الله من عيونك / الردته سويته / أدلل عليّ أدلل/خاله شكو. كما غنت له فائزة أحمد أغنية ميكفي دمع العين، وغنت له نرجس شوقي اغنية شدعي اعليك يلي حركت كلبي، والمطربة راوية اغنية ادير العين ما عندي حبايب, والمطربة نهاوند أغنية يابه يابه شلون عيون عندك يابه. وكتب لأحلام وهبي أغنية عشاگ العيون وغيرها من أحلى الاغنيات، كما كتب الروائع لعفيفة اسكندر وزهور حسين ومائدة نزهت ولميعة توفيق وصبيحة ابراهيم وغيرهن، حيث لا يسع هنا المجال لذكرها جميعاً.. ختاماً أسال الجميع وأقول : أيستحق مثل هذا الشاعر الوطني الأصيل والجميل، أن ينتهي في مقبرة الغرباء، وعينه ترنو صوب أرض وطنه الحبيب وهل سيعترف العرب بحقيقة صدام الفاشية؟!