بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
هرعت أوروبا عن بكرة أبيها لتقديم المساعدات السخية إلى إسرائيل، فتوافدت السفن العملاقة على موانئها من شمالها إلى جنوبها، واحتشدت الناقلات وسفن الحاويات على أرصفتها وفي مرافئها، وشرعت بتفريغ حمولاتها، وتفاعلت خطوط الشحن البحري القادمة والمغادرة من وإلى تلك الموانئ بما يضمن تفعيل سلاسل التوريد بين الموانئ الأوروبية والاسرائيلية، من دون ان تنفق إسرائيل فلساً واحداً، ومن دون أن تنتظر المساعدات دقيقة واحدة. .
وفي المقابل كان سكان غزة يتضورون جوعاً، وأعينهم شاخصة صوب معبر رفح المغلق بانتظار ان تتعاطف معهم القوى الأجنبية والعربية المشاركة في فرض الحصار، على أمل قدوم الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء والماء في الوقت الذي كانت فيه أمريكا واخواتها تتفنن في تعقيد إجراءات فحص وتفتيش قوافل النقل البري القادمة من مصر، وتتعمد إخضاعها للرقابة المشددة. حتى (ناريندرا مودي) الزعيم الهندي البعيد، المشبع بالحقد واللؤم، وضع شروطه هو الآخر، وطالب بفحص شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة، بغية التأكد من عدم وجود اسلحة بداخلها، وذلك على الرغم من أن هذا الأمر لا يعنيه (لا من بعيد ولا من قريب). .
ثم جاءت ساعة الفرج وسمحوا بعبور عشرين شاحنة فقط بعد فحصها وتفتيشها، وبعد فحص محركاتها واطاراتها وخزاناتها، وبعد تدقيق اوراقها. فتبين ان الكميات المنقولة لا تغطي 1 % من احتياجات غزة. وان بعض الشاحنات كانت شبه فارغة، وبعضها كانت محملة بأقل من 50 صندوق (كارتونة صغيرة)، وكانت بعض تلك الصناديق الكارتونية تحتوي على علبة دواء واحدة فقط. في حين كانت معظم المواد عبارة عن محارم وكمامات وقفازات وقناني مياه، وما إلى ذلك من المواد الكمالية. .
عن هذه المواقف المخجلة كتب أحدهم على صفحته في الفيسبوك. يقول: (وقفت بنفسي على محتويات الشاحنات الخاصة بالهلال الأحمر. والشاحنات المصرية، فوجدتها غير ضرورية وقليلة ولا تفي بالغرض، ولا تغطي الحاجة، ودون مستوى الطموح). .
اما الشاحنات الحوضية المحدودة التي وصلت غزة محملة بالوقود فلم تكن قادمة من مصر، وإنما قادمة من خزانات تابعة للأمم المتحدة موجودة داخل قطاع غزة في مكان قريب من المعبر. .
شيء آخر: بإمكان القارئ الكريم التأكد من كثافة السفن التجارية والحربية المتوجهة الآن نحو الموانئ الاسرائيلية وذلك من خلال الاستعانة ببرنامج (Marine Traffic App) وهو متاح على الشبكة الدولية. .
ختاماً: الاوضاع في غزة كارثية والامدادات شحيحة، والناس هناك يتعرضون للإبادة بالقصف والتجويع والتعطيش، والحرمان من ابسط مستلزمات الشفاء من الجروح والحروق والكسور. .