بقلم: فالح حسون الدراجي ..
سألني مرة ولدي قائلاً : لماذا لم يفسد الشيوعيون العراقيون – سواء أكانوا وزراءً في الحكومة، أو وكلاء وزارات، أو مديرين، أو حتى موظفين صغاراً، ولماذا لم ينخرطوا مع (زملائهم) المسؤولين الآخرين المرشحين من احزاب وقوى سياسية مختلفة، في عملية النهب الجارية على قدم وساق في دوائر الدولة، بحيث أصبح الفساد مثل (الموظة) التي يوصم بـ (التخلف)، كل مسؤول لا يلتحق بها، أو يرفض ممارستها كغيره
قلت له: لأن الشيوعيين يابنيّ مناضلون حقيقيون، لا تهمهم مصالحهم الشخصية، ولا يفكرون بذواتهم، وقطعاً أن من يقدم رأسه وحياته فداءً للشعب والوطن، لا يمكن له ان يسرق الشعب أو يخون الوطن، ومن يتربى على مبادئ التضحية والعطاء، لا يتنكر للمبادئ الصافية التي نهل منها.. فضلاً عن أن للشيوعيين قدوات، ونماذج مضيئة اقتدوا بها في حياتهم مثل الزعيم (فلاديمير لينين)، والثائر جيفارا، والمؤسس فهد، والبطل سلام عادل، وغيرهم من القدوات اللامعة في تاريخ الحركة الشيوعية الوطنية والأممية.
لكن ابني قاطعني بقوله: عفواً بابا، وهل في التاريخ أعظم من علي بن أبي طالب قدوة وانموذجاً ، فلماذا لم يقتدِ به السياسيون الإسلاميون ؟!
قلت: لأنهم لم يجعلوا من سيرة وأخلاق ونزاهة وزهد أبي الحسن عليه السلام قدوة حقيقية لهم، إنما هم استخدموا اسمه الكريم ستاراً يتسترون به فحسب..
لقد كان الإمام علي- وهو الخليفة ياولدي – يرتدي ثوباً ضاع واختفى لونه من كثر (الغسل واللبس)، وكان يلبس سروالاً مرقوعاً بعشرين رقعة، فكيف تريد من لصوص فاسدين يتشدقون ظلماً وبهتاناً باسم (علي)، أن ينتهجوا نهجه الرسالي ويحذوا حذوه الإيمانيّ .. إن بين نهج الإمام علي بن أبي طالب، ونهج هؤلاء مسافة مليون سنة ضوئية ومليار سنة أخلاقية ..!
قال ولدي مبتسماً: وماذا عن سياسيي (الجهة) الأخرى؟
قلت له: (وداعتك) نفس الشيء، فالفاسد كالإرهابي، لا دين له ولا طائفة ولا قومية.. وحساب هذا الفاسد نفس حساب زميله الفاسد الآخر.. ولا فرق بين الإثنين، سواء تستر خلف اسم علي، أو تستر خلف اسم (عمر)، وما هؤلاء الفاسدون الذين يتشدقون ليل نهار بعدالة الخليفة عمر بن الخطاب، إلا أبعد الناس عن عدالة الرجل، بل هم لا يحملون ذرة واحدة من عدالته.
وقبل أن أنهي حواري معه قلت لولدي: وحتى لا أقع في خطأ التعميم، فإن ثمة استثناءات قليلة جداً في صفوف الجهتين، بمعنى أن ليس كل المسؤولين في الدولة اليوم فاسدين .
لقد تذكرت هذا الحوار القصير مع ولدي، بعد الاتصال الذي تلقيته أمس من أحد الأصدقاء الأعزاء، والذي حكى لي فيه قصة زوجته التي زارت قبل أيام قريبتها في الفيلا الفخمة التي تسكنها مع زوجها الوزير، والتي تم شراؤها في احدى الدول العربية بسعر خمسة ملايين دولار فقط.
ويقول صديقي إن زوجة الوزير – الذي غادر الوزارة قبل فترة قصيرة- أظهرت تبرمها وعدم رضاها عن زوجها، لأنه رفض شراء فيلا لابنهم (العازب) كي يستقر ويبني مستقبله، خاصة وأن هذه (الفيلا) حلوة، وقريبة منهم، و (رخيصة جداً) كما تقول زوجة (المعالي)، بحيث لا يتجاوز سعرها ثلاثة ملايين دولار ( بس) .. !!
وحين سألتها زوجة صديقي عن سبب رفض الوزير شراء فيلا مستقلة لولده العازب، أجابت : إن (معاليه خايف تنفتح علينا العيون ويصير سؤال وجواب ودوخة راس ما الها داعي، خاصة وهيئة النزاهة هالأيام شادين الحبل على المسؤولين بالداخل والخارج، وبعض الإعلاميين فاكين عيونهم وحلوگهم علينا، عبالك إحنه بايگين الفلوس بوگة مو جبناها بالقلق والتعب والخوف .. وكل يوم إجاك الذيب وإجاك الواوي )؟!
وحين سألتها زوجة صديقي قائلة: ( أخاف المعالي ما عنده فلوس يشتري بيها هاي الفيلا، وما يريد يگول ماعندي) ؟
ضحكت زوجة المعالي بصوت عال، وهي تقول: ما عنده.. شنو ما عنده ؟ وعيونچ يگدر يشتري باچر خمس فيلل مو وحدة)!!
انتهت مكالمة صديقي، وها أنا أنقل نص هذا الكلام المؤلم للعراقيين، ليعرفوا لماذا يزدحم أطفالنا حول حاويات القمامة بحثاً عن كسرة خبز يسدون بها رمقهم، وكيف أصبح هذا (الطرطور) وزيراً ومليونيراً
- مع جل احترامي للوزراء النزهاء والشرفاء – بحيث صار (الأخ) يشتري الفيلل بالملايين وفي أرقى المدن العربية، وهو الذي لم يكن قبل ٢٠٠٣ يملك ثمن شقة يسكن بها في محافظته؟!.. لقد كنت أستمع لحكاية فيلل هذا الوزير الفاسد، وزوجته الحمقاء، وأقارن بينهما وبين آلاف الأزواج والزوجات الشرفاء في العراق، ودول العالم.. وقد حضرتني هنا قصة السيدة (كروپيسكايا)، زوجة الزعيم الشيوعي (لينين)، التي نقلها الكاتب الفذ جورج برنادشو، وأردت أن أقارن بكل الحزن والقهر، بين زوجة لينين، وزوجة صاحبنا الوزير، مع أن المقارنة لا تصح قطعاً بين الذهب و (الزبالة)، لكني أردت أن يطلع أبناء الأجيال الحالية على هذه الحقيقة، التي يحاول (الآخرون) تغييبها..
لقد رويت لكم حكاية وزيرنا الفاسد وزوجته، وأروي أيضاً حكاية زوجة زعيم الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين، تاركاً لكم المقارنة والحكم بينهما .. يقول الكاتب الآيرلندي جورج برناردشو، التقيت في قرية (مكسيم غوركي) ذات يومٍ السيدة (ناديجدا كروپسكايا)، بعد وفاة زوجها الزعيم لينين، وقد سألتها مطمئناً عن احوالها بقولي : أخبريني يا كروپسكايا، هل ترك لكِ زوجك دخلاً طيباً يعيلك ؟
لكنها أدهشتني بجواب لم أتوقعه قائلة :
-إنّ لينين زوجي لم يُعنّي يوماً ما، فأنا أعملُ بنفسي. ثم يكمل برنادشو قائلاً:
لقد صُدمت من جوابها، ورحت أستجوبها يائساً، وأنا أقول: لكن كُتب زوجك التي يصدر منها ملايين النسخ تكفيك حتماً، ألم يتركها لكِ ؟
لكن كروپسكايا أوقعتني في حيرة وإحباطٍ أكبر، حين قالت لي:
-إنّ مؤلفات زوجي ملكٌ للشعب، وليست لي !!
هرب برناردشو بأفكاره ناحيةً أخرى، علّه يلقى شفاءً لما أوقعته به هذه السيدة، فقال لها :
- أعتقد أنك تحصلين على تقاعد من راتب زوجك …؟ قالت: أنا لا أتقاضى تقاعداً عنه، فأنا أعمل وأكسب مايسدّ احتياجاتي ..! وهنا طوح برناردشو بيديه، صائحاً بصوت عال: كلا كلا، لاأستطيع أن أخبر الناس في بلدي عنك بذلك، فلن يصدّق إنسانٌ عاقل أنّ زوجة مؤسس الإتحاد السوفياتي، تعمل كي تكسب خبزها..!