بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لا تحدثوا الناس بعد الآن عن عذاب القبر، فعذاب القبر له رب غفور رحيم، بل حدثوهم عن عذاب الفقر، وعذاب التجويع، ودور مصر والأردن في تفعيله لخدمة اسرائيل. حيث لا توجد قوة دولية تمنع النظامين (المصري والأردني) من بيع المواد الغذائية والعلاجية لسكان غزة وبالعملة الصعبة. ولا توجد قوة دولية تمنعهما من فتح قنوات التبادل التجاري مع القطاع على غرار القنوات المفتوحة الآن على مصراعيها مع تل ابيب. ومع ذلك ظل سكان غزة يعانون من ويلات القطيعة التي فرضها عليهم أبناء عمومتهم. .
لم يطلب قادة المقاومة الدعم الحربي من الجيش الأردني، ولا من الجيش المصري، ولم يستنجدوا بهم، ولم يتوقعوا منهم الوقوف معهم في خنادق القتال. لكنهم يتضورون الآن جوعا وعطشا، ولديهم المال الكافي لشراء ما يحتاجونه من مصر والأردن. .
لقد أهدت الأردن كميات هائلة من الفواكة والخضروات إلى تل ابيب وبلا مقابل مادي، منها 500 طن من البندورة (الطماطم). ومازالت طرق التموين اللوجستي سالكة بين الأردن واسرائيل وبمرونة تامة. اما بخصوص التبادل التجاري بين اسرائيل ومصر. فقد تكفلت شركة أوشين نيتوورك إكسبرس (Ocean Network Express)، بتقديم خدماتها المكوكية بين ميناء دمياط في مصر ومينائي حيفا وأسدود في شرق البحر المتوسط. وقالت الشركة المعروفة اختصارا باسم (ONE)، في بيان لها على موقعها الرسمي: انها أنشأت خدمة النقل الجديدة، Israel Express (ILX)، استجابة للطلبات المتزايدة على استيراد وتصدير البضائع بين البلدين. واشارت بيانات وزارة التجارة الإسرائيلية إلى ارتفاع معدلات التبادل التجاري مع مصر إلى 700 مليون دولار هذا العام، مقابل 300 مليون دولار في العام الماضي. .
اما بخصوص الشحن الجوي بين مصر واسرائيل، وبين الأردن واسرائيل، فهو مستمر ومتواصل بما يضمن تلبية الاحتياجات الفورية الشاملة لتل ابيب وبتكاليف رمزية. .
لكن أبواب الشحن التجاري موصدة براً وبحراً وجواً بوجه سكان غزة. وبات واضحا ان الدولتين (مصر والأردن) أعلنتا الحصار على القطاع، واستجابتا لتوجيهات نتنياهو في حرمان السكان من الغذاء والدواء والماء وحليب الأطفال. .
نسمع بين الفينة والأخرى بمساعدات طارئة تأتي من بعيد. من الكويت أو من قطر إلى المحاصرين في غزة، لكنها لن تأتي من الأردن، ولن تأتي من مصر التي أغلقت بوابات معبر رفح وأقفلتها بالضبة والمفتاح. في حين نلمس العجب العجاب في تصاعد مؤشرات التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وذلك من خلال فاعليته في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الطرفين. ويرى رئيس المفوضية الأوروبية (خوسيه باروسو) إن إسرائيل تشكل شريكا مهما للاتحاد الأوروبي في مواجهة تحديات الأمن الغذائي. .
حتى مقررات وتوصيات جامعتنا الموميائية لم تتطرق إلى السبل الكفيلة بتجهيز سكان غزة بما يحتاجونه من مستلزمات الحد الادنى للبقاء على قيد الحياة. .
واضح جداً أنهم حشروا غزة في زاوية ضيقة، وحاربوها بلقمتها، فاقتصرت مطالبها على الأمور المعيشية، ثم اختزلوا التفاوض في حدود هذه الزاوية المصطنعة، فهبت رياح الخذلان من ديار الأخوة الأعداء. .
كلمة اخيرة: إذا كنتم تفتحون معابركم بأوامر من اسيادكم، وتغلقونها بتوجيهات منهم، فأنتم لا تملكون السيادة عليها. ولا فرق بينكم وبين النوبچية، ومفردة (nöbetçi) باللغة التركية تعني: بواب. وهي متداولة عند حراس بواباتكم الموصدة بوجه جياع غزة. . .