بقلم: كمال فتاح حيدر ..
قبل ان ندخل في صلب الموضوع دعوني اذكركم بموقف الفارس العربي الهمام (المعتمد بن عباد 1040 – 1095) الذي تخلى عن دروعه وتروسه، وخاض معركته الأخيرة بقميصه وسرواله. فقاتل قتال الأبطال دفاعا عن إشبيلية. وارتجز قصيدته الرائعة، التي يقول فيها :-
وَبَرَزتُ لَيسَ سِوى القَميصِ
عَن الحَشى شيءٌ دفوعُ
وبذلت نَفسِي كي تسيل
إِذا يسيل بهَا النّجيع
فما اشبه الليلة بالبارحة، فقد خاض شباب المقاومة نزالاتهم كلها من المسافة صفر، بالسروال الرياضي، وبالتيشيرت، وبحذاء مرن من البلاستك المطاوع، لمواجهة جيوش مدرعة ومصفحة. ترتدي احدث البدلات القتالية المموهة، والقمصان السميكة الواقية. .
لم تمض بضعة سويعات من الهجوم البري حتى وجد جنود الخياليم انفسهم في معركة حامية الوطيس يخوضها رياضيون. أحياناً يخرجون عليهم في الظلام الدامس من اللامكان. واحياناً يهبطون عليهم في ساعات الفجر الأولى بسراويل ألعاب الساحة والميدان. حتى وقعت معظم الفلول الصهيونبة في قبضة أبطال القفز العالي فوق الموانع والخنادق والمصدات. فما فعلته المقاومة في غزة لم تفعله الجيوش العربية مجتمعة منذ عام 1948. ولسنا مغالين في ذلك، فاللقطات التي عرضتها الفضائيات حول العالم ظهرت فيها هذه المفارقات العجيبة التي تركت آثارها على أطراف القتلى والجرحى. وذكرت التقارير الدولية ان اسرائيل خسرت في حربها على غزة ما يساوي ثلاثة أضعاف خسائرها عام 1967 وعام 1972 في الأرواح والمعدات، وفي الذخيرة والآليات. وربما اكثر من ذلك. ناهيك عن خسائرها الاقتصادية والمالية، ومشاريعها المعطلة، وسمعتها السياسية المشوهة، وما لحق بها من تراكمات سلبية لا تعد ولا تحصى. .
وخير ما نستشهد به التقرير الذي نشره الصحفي الاسرائيلي (ارئيل شمعون) المطرود من صحيفة يديعوت احرنوت، والذي قال فيه: (لماذا لا تصرح الحكومة عن العدد الحقيقي للقتلى ؟، ولماذا لا تعلن عن خسائرها في المعدات والآليات التي لحقت بها في غزة ؟. فالعدد الحقيقي يفوق ذلك بثلاثة أضعاف، حيث تعرض أكثر من 250 جندي وضابط للعمى بنسبة 100٪، كما دمرت أكثر من 500 آلية بين مجنزرة ومدفع وآلية مصفحة وجرافة وسيارة همر. وبلغ عدد الجنود الذين اصيبوا حوالي 7 آلاف جندي، من ضمنهم 3700 اصيبوا بعاهات دائمة، وعدد القتلى الحقيقي هو 3850 جندي وضابط. هذه مجزرة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، لماذا لا يعترف نتنياهو أنه خسر أهدافه في المعركة ؟. كل إسرائيل تعلم أن اسلحتنا نفذت واستهلكت لولا الدعم الأمريكي، ولو تخلت عنا أمريكا الآن لعاد الأقصى للمسلمين، وذهبت اسطورة دولة إسرائيل أدراج الرياح). .
وهكذا تهشمت خرافة الجيش الذي لا يُقهر، وتكبد جيش الاحتلال أفدح خسائره في مواجهة مقاومين صنعوا أسلحتهم بأيديهم، وركبوا فوق ظهور الميركافا بالقمصان والكوفيات. .