بقلم: كمال فتاح حيدر ..
أدهشني موقف حارس السفارة الإسرائيلية في واشنطن وهو يصوّب مسدسه نحو جثة الضابط الأمريكي المنتحر. .
حتى الموتى الذين فارقوا الحياة لم يسلموا من احقاد هؤلاء ووحشيتهم. فالرجل الذي اضرم النيران في نفسه سار بخطوات ثابتة وهو يرتدي ملابسه الحربية. ووقف مرفوع الرأس عند بوابة السفارة في مواجهة الجمهور الغفير الذي شهد مروءته. ثم سكب مادة حارقة فوق رأسه، وصاح بصوت عال: نفسي وروحي فداء لأطفال غزة، وسوف تبقى فلسطين حرة أبية. وكرر صيحته عدة مرات: (فلسطين حرة – فلسطين حرة)، ثم اضرم النيران في ساقيه، فتصاعد اللهب نحو الأعلى حتى سقط على الارض وفارق الحياة، بينما اتخذ حارس السفارة وضع المهاجم، وكان على أتم الاستعداد للإجهاز عليه امام أعين الجماهير الذين تفاعلوا مع الموقف المؤلم. .
كان الجندي أو الضابط آرون بوشنل (25 عاما)، متخصصاً في عمليات الدفاع الالكتروني، لكنه أقدم على قتل نفسه غضباً واحتجاجاً على الرغم من انه من أبوين يهوديين، ذلك لأن بذرة الإنسان كانت تنبض في قلبه، وكان رافضاً منذ البداية للارهاب والجريمة. فتفجرت في ضميره مبادئ الحمية والغيرة والشرف، لم تكن تربطه بغزة روابط الدين والعروبة والدم والنسب. كانت انسانيته هي الرابط الوحيد معهم، فاستشاط غضباً وأضرم النيران في نفسه، لأنه كان يدرك ان إدارة البيت الأسود غارقة حتى اذنيها في حملات الابادة الجماعية. .
لقد تجاوز تعداد شعوبنا العربية والإسلامية المليار نسمة. لكن معظمهم لا يقدرون على مواساة أهلنا بكلمة أو بحرف واحد، ومنهم من يقول: ان رجال الشرطة في بلادي يمنعوني من التظاهر، وهناك من يقول: انه مشغول بمتابعة قنوات بينسبورت، ومهتم في تناول المنسف والثريد والكبسة حتى كبس الخمول على عقولهم. واضمحل وجدانهم. . في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. . مرض في الدين والإيمان. وضمور في التفاعل مع اخوانهم وابناء جلدتهم. .
لقد تفاعلت شعوب الارض مع الراحل (آرون بوشنل) الذي وقف وقفته المشهودة في التضامن مع المحاصرين والمضطهدين، لكن صورة حارس السفارة وهو يستعد لإطلاق النار عليه هي التي انتشرت في عموم القارات، لأنها كانت تعبر عن مبلغ النزعة الدموية عند هؤلاء، وتعطيك فكرة عن وحشيتهم وهمجيتهم. .
صورة مقززة تفاعل معها الناس في كل مكان. وبخاصة في اوروبا حيث انشغل الإعلام الغربي في الحديث عنها. واصبح الحارس التافه مدار حديث السوشيل ميديا . .
كلمة اخيرة: لقد تسببت هذه الحادثة في تغير قناعات الرأي العام الأمريكي، وفي تغير مواقف اليهود الذين احتشدوا بالآلاف في معظم الولايات وهم يرددون شعارات تندد بسياسة نتنياهو وعصابته: (ليس باسمنا – ليس بأسمنا). أي لا ترتكبوا جرائمكم باسمنا. .