بقلم: فالح حسون الدراجي ..
بعد حوالي ستة أشهر على نشر مقالتي عن مديرة المصرف التجاري العراقي
حمدية الجاف، وفشل الدعوى القضائية التي أقامتها عليّ آنذاك، كتبت مقالاً ثانياً عن حمدية الجاف أيضاً، وقد جاء المقال الثاني بعد إعلان هيئة النزاهة عن نجاحها باسترجاع مليوني يورو إلى خزينة الدولة، كانت بذمة إحدى الشركات الأهلية التي أقرضتها مديرة المصرف التجاري بدون ضوابط رصينة..
وبعد أن قامت هيئة النزاهة باستدعاء الجاف للقضاء وفق المادة 331 عقوبات، فكان موقف الهيئة الشجاع حافزاً ودافعاً معنوياً لي على مواصلة الطَرق بقوة على رأس هذه المديرة..
فكتبت مقالاً ثانياً بعنوان (لعد إشگد بايگة حميدة).
وكان لهذا المقال صدى طيب في الأوساط المالية والإعلامية، حتى أن الكثير من المواقع والصحف أعادت نشره، ومن بينها صحيفة (دنيا الوطن) الفلسطينية، وسيجد القارئ الكريم، رابط النشر اسفل هذه الافتتاحية ..
ولأني لم اكن أعرف وقتها حجم سرقات واختلاسات (حمدية)، فقد طرحت السؤال عبر عنوان المقال، وقلت فيه متسائلاً : (لعد اشگد بايگة حمدية)؟!
واليوم أعيد نشر المقال ذاته بعد ان عرفت ان (الخاتون طلعت بايگة ملياري دولار اكرر ملياري دولار أمريكي) – حسب تصريح السيد رئيس هيئة النزاهة قبل عشرة أيام) ..! كما أعيد نشر ذلك المقال أيضاً، تضامناً مع حملة الحكومة العراقية، التي يقودها القاضي المقتدر حيدر حنون، لاسترجاع أموال العراق المنهوبة، واستعادة المطلوبين للعدالة من الدول التي يقيمون فيها الان، ومن بين هؤلاء المطلوبين يأتي اسم حمدية الجاف أولاً ..
اليكم نص المقال الذي نشر قبل ثمانية أعوام :
لعد اشگد بايگه حمدية؟!
فالح حسون الدراجي
نشر بتاريخ: 24 حزيران 2016
أعلنت هيئةُ النزاهة عن نجاح جهود فريقها الميداني، المؤلف لمراقبة وفتح ملفات المصرف العراقي للتجارة، في استرجاع قرابة مليوني يورو إلى خزينة الدولة، كانت بذمة إحدى الشركات الأهلية، مؤكدة استدعاء الجاف الى القضاء وفق المادة 331 عقوبات.
وقالت الهيئة في بيان لها تلقت” الحقيقة ” نسخة منه، فضلاً عن نشره على موقعها الإلكتروني الرسمي: إن ” إلاجراءات المتخذة بصدد المخالفات الحاصلة بالتسهيلات المصرفية الممنوحة من المصرف العراقي للتجارة لشركة الشمال لتحضير اللحوم والدواجن، قد أسفرت عن استعادة قرابة (مليوني يورو)، كان بذمة الشركة إلى خزينة الدولة، وذلك بعد قيام الهيئة بإحالة الأوراق التحقيقيَّة الخاصة بالقضية إلى محكمة الموضوع.. وبدوره، قرَّر قاضي التحقيق استقدام مديرة المصرف حمدية الجاف وفق أحكام المادة (331) عقوبات..”.
لقد تأكد الآن، بعد ما تم اكتشافه بملف شركة الشمال لتحضير اللحوم والدواجن، أن ثمة مفاسد كبيرة في حسابات أخرى سيتم اكتشافها حتماً في السجلات (الخاصة) للمصرف العراقي التجاري إذ يقال إن هناك مخالفات، وأرقاماً مالية مخيفة ستظهر لاحقاً، وما هي إلاَّ أيام معدودة، حتى تكشف الحقائق، وسيرفع الغطاء عن الصفقات المرعبة التي تمت (طممطمتها) باتقان طيلة السنوات التي (حكمت) فيها حمدية الجاف (امبراطورية) المصرف العراقي للتجارة.
وللحق فإن صفقات الفساد التي تمت بين المصرف العراقي والشركات التجارية الفاسدة لم تكن هي الوحيدة فقط، إنما هناك صفقات أفخم، واتفاقات (أصخم) حصلت بين (مصرف حمدية الجاف) وبعض رجال الاعمال الكرد وغير الكرد أيضاً، لاسيما من التجار الكبار، وأقارب الزعماء، وأبناء المسؤولين، وحاشية (المعالي، وابن أخت المعالي)، وبعض الشيوخ ورجال الدين، (والسادة) وأتباع السادة وگرايب السادة المبجلين الطاهرين المطهرين! وكبار السياسيين الذين حصلوا على قروض عالية بدون ضمانات، او ربما بضمانات تافهة، مثل التي قدمها كاكه (سرتيب ناظم آغا الجاف) حين استلف من مصرف حمدية الجاف قرضاً قيمته أربعة ملايين دولار بضمانة بيت لا يساوي ربع مليون دولار، وأين؟
في دهوك !!
فمن بربكم يقدر الوصول الى دهوك، ويستطيع الحجز على بيت مُلك يقع في كردستان؟!
لقد نهبت حمدية الجاف (وبطانتها)، وأمثالها، أموال وأحوال الشعب العراقي.. فجعلوه معوزاً محتاجاً فقيراً تحلُّ عليه الصدقة والمساعدات الدولية!! لكنّ الحق لا يدفن ولايخفى الى الأبد، مهما كان الغطاء فوقه كبيراً وثقيلاً، إذ كشف الله مفاسد حمدية وفضح أمرها، وهتك سرّها، على الرغم من تحوطاتها الشديدة، ومحاولاتها المنظمة الدقيقة لإخفاء هذا السر، ورغم محاولات الذين اصطفوا معها من حيتان المال الحرام، سواء في أجهزة الدولة، أو في القضاء، أو في أعلى درجات الهرم الحكومي المسؤول.. وها هي ملفات الجاف الفاسدة تبدأ بالتدحرج من أعلى الرفوف لتسقط على أرض الحقيقة، وتكشف عن عورات إدارتها!
وإذا كانت قيمة الفساد في ملف واحد قد بلغت المليوني يورو.. فكم ستكون قيم الفساد في الملفات الأخرى، لاسيما الملفات المالية الفخمة؟!
أحد الزملاء سألني قائلاً: منذ فترة طويلة ونحن نسمع بتحوطات حمدية الجاف، وتحصيناتها المنيعة.. لكن هذه التحوطات انهارت في أول (مطرة)، وسقطت في أول امتحان تحقيقي تجريه هيئة النزاهة في مصرفها العتيد، بمجرد ان غادرت منصبها كمدير عام للمصرف.. فأين يا ترى هذه التحوطات التي صدعوا بها رؤوسنا؟!
ضحكتُ، وقلت له: لا تظلم حمدية الجاف، ولا تنظر لذكائها، او لتحوطاتها ( بالعين الزغيرة)، فهي شاطرة.. وماكرة.. ومتدبرة .. لكن المشكلة تكمن في قوة الحق الذي لا يقف بوجهه سد، مهما كان هذا السد منيعاً. وأقسم لك أن الحق يستطيع تهديم أكبر الحصون والأسوار والوصول الى الحقيقة البعيدة، حتى لو كانت خلف سور الصين..
ثم أكملت جوابي له، وقلت: إن السؤال الذي نسيت ان تطرحه، هو أن حمدية الجاف قد لفطت وشفطت مليوني يورو في قضية بسيطة لا تستحق الذكر، قضية خاصة بشركة أهلية صغيرة لتحضير اللحوم، فكم ياترى سرقت في ملفات كبيرة، وفخمة غيرها؟
فأجاب زميلي: المشكلة ليست في حمدية الجاف فحسب، إنما يبدو ان ثمة لعنة حلت في عموم المصرف العراقي للتجارة، واللعنة شملت كل من يعمل فيه، ويتعامل معه.. وها هم جماعتها وشركاؤها يتساقطون تباعاً.. فأمس مثلاً اعترضت هيئة النزاهة على قرار حبس المتهمة ميادة صبيح عبد الخالق مدة ستة أشهر بعد ادانتها (بإضاعة) عشرة ملايين دولار امريكي أي 12 مليار دينار ،مطالبة بعقوبة تتناسب مع جسامة الجرم الكبير!!
قلت : وما علاقة حمدية الجاف بميادة؟
ضحك وقال: مو ميادة مديرة قسم الائتمان في المصرف العراقي التجاري.. فهي تلميذتها.. ومفتاح أسرارها !!
قلت: لقد صدق من قال: التلميذ أستاذ ونص !!