بقلم : د. سمير عبيد ..
دروس سبقت المسرحية !
جميعنا كُنّا شهود على مسرحية المخرج الأميركي وتمثيل الممثلان ايران وإسرائيل بعنوان ( الضربة الايرانية ضد اسرائيل) والتي كانت درساً في البراغماتية التي هي عنوان السياسة الايرانية وعلى الأقل منذ هيمنة الشريكين السيدين رفسنجاني وخامنئي على زمام الأمور في ايران، والذهاب بنهج مشترك مختلف عن حقبة السيد الخميني.وللتذكير ليس الا ببعض دروس البراغماتية الايرانية والتي دوما تثير جدلاً كبيرا ومنها :
١-درس الدعم الايراني الى الغزو الاميركي للعراق وافغانستان بشهادة نائب الرئيس الأسبق محمد خاتمي وهو السيد محمد علي ابطحي الذي قال في عام ٢٠٠٤ قولاً شهيراً وهو ( لولا الدعم و المساعدة الايرانية لِما استطاعت الولايات المتحدة من اسقاط نظام صدام في العراق،ونظام طالبان في افغانستان)
٢-درس الاستدارة ١٨٠ درجة في العلاقات الايرانية السعودية عندما طلبت طهران وبشكل مفاجىء ترطيب العلاقات مع الرياض عن طريق رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي عبر الاجتماعات السرية والعلنية برعايته في بغداد ،والتي توجت في الصين باعلان عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والذهاب بفترة التهدئة التي انعكست على لبنان واليمن والعراق !
٣- الدرس الثالث والمحير وهو تحويل الخطر الجسيم الاسرائيلي الاميركي ضد ايران من جهة اذربيجان والذي كاد ان يفجر القنبلة الديموغرافية الأذرية(خمس محافظات ايرانية بتعداد 20 مليون مواطن ايراني من اصل آذري) بوجه النظام الايراني . وفجأة ذهبت طهران مهرولة الى انقرة فرتبت صفقة فغدرت بأرمينيا فأعطي الضوء الأخضر لأذربيجان بغزو ارمينيا واستعادة اقليم قره باخ وطرد وتهجير آلاف الارمن ! ..نكتفي بهذه الامثلة !
ماهي التداعيات المستقبلية لمسرحية ايران ضد اسرائيل ؟
١-ماحصل من مسرحية من اخراج البيت الابيض وتمثيل طهران وتل أبيب وبعلم وتنسيق مع موسكو والصين ( مسرحية الضربة الايرانية ضد اسرائيل والتي لم تجرح قطة في اسرائيل ) ما هي الا بداية تدويل منطقة الشرق الأوسط .ومن معالم التدويل انهاء الدور العربي في تلك المنطقة.وفتح المنطقة الى تدخلات دولية أوسع نطاقا ومثلما كان خلال الحرب الباردة.
والسؤال : ماهي الدولة المرشحة لتكون بموقع النمسا ؟ فعلى مايبدو هو العراق ليكون محايدا ومنطقة عقد الصفقات والاتفاقيات وهذا يحتاج الى نظام سياسي جديد في العراق يتوائم مع الترتيب الجديد للمنطقة. وان العمل جاريا عليه !
٢-لقد أعطت المسرحية الايرانية التي كانت بعلم الروس والصينيين اندفاعه استراتيجية للروس والصينيين نحو عناوين الصراع القادمة في الشرق الأوسط وليس حباً في ايران أو وفاءا للتحالف معها . بل لتحديد حدودهم ومناطق نفوذهم في الشرق الأوسط الجديد ( لأن المسرحية الايرانية ضد إسرائيل اعطت دفعة قوية للأمام لمشروع الشرق الاوسط الجديد ) .فالروس والصينيون لديهم رغبة بالاندفاع لمنع التمدد الاميركي الغربي وحلف الناتو في منطقة الشرق الاوسط ، ومنع الدولة التي يراد لها ان تكون زعيمة الشرق الاوسط الجديد بدعم امريكا والغرب والناتو وهي ” اسرائيل ” من الهيمنة على المكاسب الجيوأستراتيجية التي حققتها اسرائيل على حساب حرب امريكا في افغانستان والعراق واشتراكها في حرب غزة اخيرا لصالح اسرائيل ومعها فرنسا وكندا والمانيا ودول اخرى !
٣-فمنطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الحيوية والاستراتيجية في العالم .وان العراق قلبها او قطب الرحى فيها. ومثال من التاريخ على ذلك :- فعندما قرر الاسكندر الاكبر غزو الشرق اي غزو الامبراطورية الفارسية الاخمينية التي كان يقودها ملك الملوك داريوش الثالث ذهب لفلاسفة اليونان اي الاسكندر الاكبر يستشيرهم حول رغبته بغزو الشرق فقالوا له ( ننصحك بالدخول للعراق اولا حينها سوف تسهل مهمة احتلال الشرق ). وبالتالي فرغم اولويات روسيا في خاصرتها اوكرانيا ، واولويات الصين في خاصرتها تايوان ولكن عيونهما على الشرق الاوسط الذي قُدّر له ان تكون فيه ممرات ومضايق اقتصاد وملاحة العالم. وان ايران ملاصقة جدا للمنطقة الحيوية في الشرق الأوسط وتقف على اهم ممراتها .
٤-ولقد نجحت ايران وعبر مراحل في تعويم الدور العربي في تلك المنطقة لصالحها عندما نجحت بتأسيس مصدات مهمة ولاعبين مهمين يدورون في الفلك الايراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن ومياه البحر الاحمر والخليج. وبذلك هيمنت على القرار السياسي والاقتصادي والامني في العراق على الرغم من وجود الولايات المتحدة 🇺🇸 وبريطانيا في العراق. وكل ما حصلت عليه ايران كان بدعم من موسكو وبكين لانه يقربهما من منطقة الشرق الاوسط .فصارت هناك قناعة عند موسكو وبكين ان ضرب ايران سوف يخلخل التوازنات الكبرى لصالح الولايات المتحدة واسرائيل وهذا لن تسمح به موسكو وبكين دفاعا عن مصالحها هم وليس الدفاع عن ايران !
إذن .. هل تفعلها ايران ؟
١-تكلمنا في بداية المقال عن الاستدارات البراغماتية التي تتسم بها السياسة في ايران والتي عادةً ما تفاجأ العالم والحلفاء بها . فياترى هل تفاجأ ايران كل من الصين وروسيا ( خصوصا عندما نجحت ايران بتعويم الدور والمشروع العربيين في المنطقة وفي قضية فلسطين ) باستدراه نحو المعسكر الغربي وامريكا ؟ خصوصا عندما شاهدنا التنسيق الايراني الاميركي الاخير بمسرحية ضرب ايران لإسرائيل ،وحرصها ان لا تجرح قطة اسرائيلية ولا حتى تدمر سياح مصنع في إسرائيل ؟
٢-كل شيء وارد خصوصا وان ايران لا تريد الخروج من العراق اطلاقا، وهذا قرار واشنطن ايضا بعدم الخروج من العراق ابداً ومعها لندن التي باتت لديها شهية بالعودة الى العراق والتركة البريطانية( اذن عنوان التعايش الايراني الاميركي في بغداد وارد جدا وبشروط) . بحيث من الجانب الآخر باشرت واشنطن ولندن بوضع مخطط اغراق تركيا بالازمات والربيع التركي بات على الابواب ليتم الهاء تركيا عن اطماعها في العراق والتي تريد من خلال العراق تنفيذ اطماعها بالكويت والاردن من خلال دعم تيارات الاخوان المسلحين النشطة في الكويت والاردن.
٣- لذا ان استدارة طهران واردة جدا لصالح امريكا وبالتالي تتشارك ايران وإسرائيل في ادارة الشرق الاوسط الجديد برعاية اميركية( بعد نجاحها بتغييب ألعرب تماما والذين سيهرولون نحو التطبيع والتحالف مع اسرائيل ) .وبهذا سوف تتخلص ايران من مشروع بريطانيا في ايران وفي مثلث الذهب الاسود ( الكويت وعربستان والعراق) وحتى وان ضحت بحلفائها في العراق” لان التضحية بهم باتت واردة “. لذا هناك هزات قادمة في المنطقة والعراق .وهناك خضات اقتصادية موجعة سوف يشهدها العراق ليتحول بعدها الى عراق مختلف !
سمير عبيد
١٦ نيسان ٢٠٢٤