بقلم: كمال فتاح حيدر ..
يتعامل معظم قادة الكيانات السياسية مع البصرة بالأسلوب الذي كان يعاني منه عنترة بن شداد العبسي: (يُنادونَني في السِلمِ يا اِبنَ زَبيبَةٍ وَعِندَ صِدامِ الخَيلِ يا اِبنَ الأَطايِبِ). فهم لا يذكرونها إلا في المراحل التحضيرية التي تسبق مواسم الانتخابات، ولا يستطيعون الاستغناء عنها لأنها تشكل الثقل الجماهيري الأكبر بعد بغداد. وبالتالي فان تذبذب العلاقة الموسمية، والتقارب الشكلي المتقطع، والتأرجح المتكرر بين الولاء والجفاء، وبين التضحية والخذلان، خلق فجوة كبيرة في التعامل مع الناس. تمثلت بصعوبة التواصل مع التجمعات الشعبية، ثم تعمقت الفجوة اكثر فأكثر وظهرت أعراضها صادمة في نتائج الانتخابات الماضية وما قبلها. فالأحزاب التي كانت تقطف ثمار الفوز في البصرة خرجت بسلة فارغة وفقدت حظوظها القديمة. وربما شكلت انتخابات مجلس المحافظة صدمة موجعة بعد تقهقر معظم الاحزاب، التي لم تستطع الصمود بوجه تحالف (تصميم) على الرغم من انه تحالف حديث الولادة. .
مما لا ريب فيه ان معظم الاحزاب السياسية هي التي دقت خوازيق الفشل في نعوشها، ولم تحافظ على تماسك تنظيماتها. وربما لم تكن لديها تنظيمات بالمعنى الصحيح. . وهذه الثغرة لا تنطبق على التيار الشيعي الوطني الذي لم يفرط أبدا بعلاقاته الجماهيرية الحميمة، فكان الفوز حليفه الدائم في معظم الجولات. .
اذكر (من نافلة القول) ان بعض الكيانات السياسية كانت تراهن في البصرة على شخص بعينه، وتضعه على رأس قوائمها الانتخابية، ثم تعيد ترشيحه وتضعه مرة اخرى في المقدمة على الرغم من تباعد المراحل الزمنية في متوالية الفشل المتكرر. لانها كانت تربط مصيرها في كل جولة بهذا الحصان الخاسر، بينما كانت تتعمد استبعاد خيولها البصراوية الأصيلة وفرسانها الذين يمتلكون قواعد جماهيرية واسعة وعميقة. .
ولكي ترى الصورة من زاوية اخرى. تخيل انك تقف امام مخطط بياني يتضمن الأفق الزمني من 2003 إلى 2024، ويتضمن أفقه الانتخابي ردود افعال الجماهير وتفاعلهم مع الوعود والشعارات المتغيرة من مرحلة إلى اخرى، ستقدم لك مؤشرات المخطط البياني لقطة واقعية تغنيك عن كل التفسيرات والتحليلات، وتبين لك كيف حصل الذي حصل ولماذا حصل الذي حصل. .
المشكلة الاخرى ان بعض الكيانات التي لم يحالفها الحظ لجأت إلى التشويش والتآمر والشعوذة، واستعانت بجيوش التسقيط للانتقام من خصومها وتشويه صورتهم، ولن يفلح الساحر حيث أتى. فالطريق إلى الفوز مفتوحة وسالكة ولا تتطلب الاستعانة بتلك الأدوات التعقيدية المرهقة والباهضة للوصول إلى قلوب الناس. .
من منهم لا يتمنى أن يرى القبول في عيون الشعب ؟، ويرى إقبالهم عليه، ويلمس أثره عليهم. لا ريب ان رضى الله وحبه أصدق وسيلة لنيل تلك المنزلة الجماهيرية العظيمة. لكن العمل بالأسباب هو أيضاً سنة الله في أرضه. . أشهر من تطرق لهذه الأسباب هو (ديل كارنيجي) في كتابه الشهير: (كيف تؤثر في الآخرين وتكسب الأصدقاء ؟). وهو أحد أكثر الكتب تأثيراً في الحياة السياسية. لذا ننصح بقراءة هذا الكتاب عدة مرات. لا أحد من الكيانات السياسية في غنى عن الأساليب العلمية المجربة. وعلى الله فليتوكل المتوكلون. .
كلمة اخيرة: كانت الغابة تتناقص وتنحسر، ولكن على الرغم من ذلك كانت الأشجار تنتخب الفأس كل مرة. لأن الفأس أقنعها أنه مثلها ومنها، وأن عصاه مصنوعة من أغصان أشجارها. .