بقلم: كمال فتاح حيدر ..
فجأة اصبح عبقرينو وزيرا في وزارة قيادية، وفي يوم من الايام دخل عليه مدير مكتبه. قال له: سيدي ان الرجل الذي حررك من سجنك الانفرادي في الحقبة الماضية، وجازف بحياته من أجل إنقاذك من حبل المشنقة. ينتظر الآن في الاستعلامات، وارسل بيدي طلبا يروم فيه التعيين بوظيفة بواب أو حارس حتى يقدر على إعالة أسرته الفقيرة. .
انتفض الوزير العبقري غاضباً، وأمسك بالطلب ومزقه، ثم رماه في سلة المهملات، وأمر مدير مكتبه بطرد الرجل الشهم. . قال له: اطرده على الفور لأن شروط التعيين غير متوفرة فيه. فقرر صاحبنا الشهم الذهاب إلى المسجد ليشتكي لربه من الوزير الذي فقد مروءته، فوجد الوزراء كلهم يصلون في الصف الأول. .
بعض الضفادع في بلدي لم يكملوا تعليمهم الابتدائي لكنهم حصلوا على أرقى الشهادات الجامعية في كل الاختصاصات، ومن دون ان يخضعوا لأي امتحان أو اختبار. وبعضهم كانوا يؤدون الامتحانات الترفيهية في غرفة السيد العميد. ثم يتسلقون سلم المجد المزيف نحو المواقع القيادية العليا، حتى تجاوزوا سرعات السعادين والقردة، وبات من الصعب إنزالهم من فوق الشجرة. ففي الغابات التي تتحكم بها الضفادع القافزة لا يُلام إلا من أوصلهم لتلك القمم العليا. فلا تعجب من انهيار منظومة الخدمات وتصدع البيت الوطني عند تعيين أناس بلا مروءة في مواقع القرار. ولا تندهش عندما تراهم يتكاثرون فوق اشجارنا فتتزعزع دعامات بيوتنا ونفقد الأمل. .
كنت أستغرب من الفراعنة، حينما أراهم يرسمون الإنسان برأس قطة أو برأس سحلية، لكني أيقنت اليوم أنهم كانو أصحاب نظرة مستقبلية ثاقبة. فلا تصارع ضفدعاً في مستنقعه فتتسخ أنت ويستمتع هو، لأن القذاره أسلوب حياته. .
ثلاثة لا تقترب منهم الحصان من الخلف، والثور من الأمام، والضفادع السامة من جميع الأتجاهات. فالرعب الحقيقي الذي يشعر به المواطن هو عندما يخشى على حياته داخل أسوار وطنه، وفي عقر داره. .
فإذا كنت تريد العيش بأمان يتعين عليك أن تؤمن بحكمة الشنفرى، التي يقول فيها: وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى، وفيها لمن خاف القلى متعزّلُ. لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ. سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ. اما إذا لم تكن تؤمن بها فيتعين عليك أن تبقى دائماً مع القطيع، وتنسى نفسك داخل الحظيرة (أعزك الله)، وتعشق الراعي، وتستسلم لنباح كلابه. لأنك عندما تعلم بما يدور حولك فإن الاستغباء يصبح متعة عظيمة. وأن أفضل طريقة لتصفية المياه العكرة هي أن تتركها وشأنها. .
احياناً نشترك نحن في صناعة الحمقى، ونجعلهم قادة، ثم نسأل انفسنا: من أين جاء الخراب ؟.
يقول ابن خلدون: لابد للصراعات السياسية من نزعات قبلية أو طائفية، لكي يحفز قادتها أتباعهم على القتال والموت، فيتخيلون أنهم يموتون على الحق. .
كلمة اخيرة: لا تكن متفوقاً في عالم منحط. ستكون مثل فراشة جميلة في مستنقع الضفادع. .