بقلم: كمال فتاح حيدر ..
رحل رئيس الوزراء الهولندي (مارك روته) Mark Rutte على دراجة هوائية بعد 14 سنة من الحكم. غادر مبنى رئاسة الوزراء وحده بلا حمايات، وبلا حراسات مشددة، وبلا ميليشيات، وبلا هتافات جماهيرية صاخبة. غادر بكل هدوء بجيوب فارغة ومن غير حقائب. لم يغادر بعمر التسعين بل كان عمره 57 سنة فقط، فهو من مواليد 1967. .
لم يغادر بسبب مؤامرة، ولا بسبب انقلاب. ولم يتشبث بالكرسي، ولم يرفض التنازل، فقد غادر طواعية بانتخابات دستورية نظيفة 100%. .
اما عندنا في البلاد العربية فالأمر مختلف تماماً، حيث لا فرق بين الدستور والدراجة الهوائية فكلاهما مصمم لراكب واحد فقط. ولن يتنازل الرئيس أو الملك أو الأمير أو السلطان إلا بعد موته بالسكتة القلبية أو الدماغية، أو تعرضه للاغتيال، أو تنحيه مرغماً بمؤامرة من حاشيته، أو بعمل عسكري خارجي، أو بضربة كونية تقضي عليه. .
لم يُسلِّم الهولندي مقاليد الحكم لأبناءه أو أحفاده، أو لأفراد قبيلته. ولم تكن عملية التسليم والاستلام في اجواء فوضوية مكتظة بالرداحين والمنافقين. .
رحل بعد ان قدم كشفا دقيقا بحساباته البنكية وممتلكاته الشخصية قبل توليه المنصب وبعد مغادرته المنصب. .
(مارك روته) غير متزوج وليست لديه علاقات مشبوهة بالفاشنستات، ويعد من ابرز أعضاء الكنيسة البروتستانتية الكالفينية. لم تنقطع علاقاته بالجامعة التي كان يعمل فيها مدرسا، واستمر بإعطاء المحاضرات بمعدل ساعتين في الأسبوع في كلية يوهان دي فيت Johan de Witt بمدينة لاهاي. .
وقد نشر رئيس الوزراء الهولندي الجديد (ديك شوف) عبر منصة (X) مقطعا مصورا لتسلمه السلطة من سلفه (مارك روته) الذي ظهر وهو يصطحب (شوف) خلال جولة في مقر الحكومة، ثم صافحه أمام الصحفيين، وركب دراجة وغادر المكان. من دون ان ترافقه العجلات المدرعة ولا السيارات المظللة. .
ختاماً: من الصعب الجمع بين الحكمة والسلطة، ربما تنجح بعض المحاولات خارج الوطن العربي. فقد اثبتت التجارب أن معظم العرب المؤتمنين على السلطة استغلوا سلطاتهم مع الوقت، وبعمليات بطيئة، حتى بلغوا قمة الطغيان في أفضل أشكال الحكومات الشائعة لدينا. .