بقلم : حسن المياح – البصرة ..
مسألة التظاهرات في العراق بعد عام ٢٠٠٣م ، وأسبابها ، ومحفزاتها ، وإستجاباتها ….. أشبهها ب { رد الفعل الشرطي المنعكس } في تجربة العالم الروسي باڤلوڤ …..
كان باڤلوڤ يقدم طعامٱ للكلب وهو جائع ، والكلب يسيل لعابه ، ويتناول الطعام …. وفي أثناء تقديم الطعام للكلب ، يدق باڤلوڤ جرسٱ ، وهذا هو الإقتران الشرطي الذي يبعث في الكلب لما يسمع الجرس ، فأن لعابه يسيل ، منتظرٱ تقديم الطعام له ….
هذا مثل علمي ، تقاس عليه عملية الحراك السياسي الإجتماعي { منها التظاهرات الشعبية الجماهيرية الغاضبة والهادئة } ، لما تنعدم الخدمات ، والظلم يسود ، والنفعية الذاتية للسياسي وحزبه تستفحل وتتعاظم ، والشعب يأن من الجوع والحرمان ، والظلم والعذاب ، وضياع المستقبل وذهاب الكرامة الإنسانية ……
والتأكيد على أن المثل يضرب وعليه تقاس الأسباب والنتائج ، ولا يقاس عليه الحال درجة التماثل وصفٱ ، بمعنى أن الإنسان المتظاهر هنا ، ليس هو كلبٱ …. حاشاه …. ولكن الأسباب هي الأسباب ، والنتائج هي النتائج ….
فلما يجوع الكلب وتتصاعد درجة غليان حاجته للطعام ، فيكون هو في حالة إنذار وحركة أعصاب هائجة ، وبنفس الوقت أنه بهش بذيله توددٱ وتلاطفٱ ، لتلقي منبهٱ ، يشعره بإنفراج أزمته في الجوع ….. ولما يسمع قرع الجرس يسيل لعابه ، ولما يقدم له الطعام ، تهدأ ثورة جوعه ، لأنه سيأكل ، وفعلٱ هو الكلب قد أكل …. وهدأ ، وإستراح ، وإسترخى ، ونام ….
وتلك هي حالة تصاعد درجة الغضب الجماهيري لما يفقد ما يريده ، وأنه المحروم منه والمحتاجه ، فإنه يغضب ، مفرغٱ جام غضبه في التظاهر …. ولما يسمع هذا الجمهور المتظاهر الغاضب ، ان الحكومة ، او المسؤول قد إستجاب له ، وأنه يوعده ، { ولا ادري سيفي المسؤول السياسي الحاكم بوعده ، أو أن وعده هو من جيل وعائلة وفصيلة المسكنات والمهدئات والتخديرات …. فالشعب المتظاهر بجمهوره الغاضب ، لما يرضى ، ويأنس للكلام المعسول ( إن كان معسولٱ ، وإلا هو في الغالب مكمون في أحشائه وما يستبطنه هو البلطجة والتهديد والإنتقام ) ، فأنه يسكت ، ويتراجع ، ويلغي تظاهره ، ويسكت ، ويخمد ، ولا أدري هل حصل على جزء مما وعد به ، أو أنه حتى هذا النزر القليل ، أنه لم يأتيه ، ولا هو بالحاصل عليه …… ولكن الكلب في تجربة باڤلوڤ ، إذا لم يأكل الطعام ، فأن لعابه يستمر بالسيلان ، ولا يهدأ ، ولا ينقطع ، إلا إذا قدم له الطعام ويأكل ….. وإلا فالكلب يبقى على حاله السابق ، هو الجوعان ، وهو المظلوم المحروم المنتظر …. وان لعابه ذعب هباء منثورٱ متلاشيٱ ….
وشتان نتائجٱ بين تظاهرات الجماهير الفورية الٱنية الغاضبة التي سرعان ما تسكت وتنتهي سواء حصلت على بغيتها ومطالبها ، أو لم تحقق شيئٱ ، سوى التضحيات وجريان الدم النازف الذي غليانه —- مع شديد الأسف —- يتحول من حالة نارية سائلة ، الى بخار منعدم لا يحقق شيئٱ مفيدٱ ، لأنه أصبح بخارٱ في هواء يتطاير سحبٱ تحمي المسؤول الحاكم الظالم ، لما تظلله سحبه الطائرة في الجو ، مظلات له ، من حر وحرقة ولسعات الشمس الصيفية اللادغة الحارة المبخرة الخانقة القاتلة …. ونظرية باڤلوڤ في المنعكس الشرطي ….