بقلم: كمال فتاح حيدر ..
واضح جدا إن تخلص البعض من القمامة الفكرية التي ورثوها ونشئوا عليها أصعب بكثير من تنظيف مدنهم من الأوساخ المتراكمة. ولن يكون واقعهم نظيفاً مادامت القذارة تملأ عقولهم. لا ريب انكم تشعرون اننا عدنا من حيث ندري أو لا ندري إلى العصر الأموي. .
نسمع منذ زمن بعيد عن تقنيات السفر إلى الماضي البعيد. لكن هذا النوع من السفر لا تجده إلا في كتب الخيال العلمي والأفلام الهوليودية. ومع ذلك استنفرت منصات التواصل في العالم العربي والإسلامي طاقاتها التضليلية والتلفيقية حتى قطعت مسافة 1400 سنة إلى الوراء. وعادت بنا إلى الزمن الذي تأسست فيه الدولة الأموية التي لم تمكث سوى 88 سنة فقط. .
ولا ندري كيف نجحت المضخات الإعلامية الخبيثة في إشغال الجموع الغفيرة بالحديث عن يزيد بن معاوية الذي حكم ثلاث سنوات فقط، والحديث عن الحجاج بن يوسف الثقفي، وعن مروان بن الحكم، وأولاد مروان واحفاد مروان. ولا ندري كيف انبرى وعاظ السلاطين للذود عنهم، وتجميل صورتهم، ومحاولة حذف وشطب مجازرهم وتبرير خروقاتهم وانتهاكاتهم وإخفاقاتهم وفواحشم ومساوئهم كلها. حتى اشتركت بعض المساجد والمدارس الدينية في تقديس 14 ملك من ملوكهم. بعضهم لم يستلم الحكم سوى سويعات أو بضعة أيام. .
لقد وجدت المضخات الإعلامية ضالتها في هذه الحقبة التي أقحمت الناس في مواضيع تافهة تشغلهم عن حملات الابادة الجماعية في غزة، وتشغلهم عن المآسي التي تمر بها الامة العربية، حتى صار الحديث عن يزيد ومروان والحجاج حديث الساعة. .
اللافت للنظر ان الشعراء والأدباء في زمن الدولة الأموية نفسها لم يتغنوا بتلك الدولة الفانية مثلما يتغنى بها البعض الآن. والغريب بالأمر ان الذين يتغنون بها اليوم ليس فيهم أمويا واحدا، فقد انقرضت تلك الدولة بملوكها وأمرائها وولاتها منذ 1400 سنة، ولكن شاءت إرادة المنظمات الظلامية ان تعود بنا إلى متاهات العصور البالية. .
لن تجد امة واحدة في الكون تفكر بهذه الأساليب الساذجة، ولن تجد امة واحدة بهذا الغباء الموروث، فقد تجاهلوا المذابح والمجازر والانتهاكات اللا إنسانية ضد أشقاءهم، وفزعوا عن بكرة أبيهم للدفاع عن الحجاج الذي قبح وجه التاريخ عندما رجم الكعبة بالمنجنيق، وعندما استباح المدينة المنورة وانتهك أعراض نساءها. .
لسنا بصدد حملات التحريف التي استهدفت كتب التاريخ، بقدر ما نريد انتشال الناس من مرحلة الغيبوبة، وإخراجهم من الدوامات التي أقحمهم فيها شياطين منصات التواصل. .
هل تعلمون ان العرب اول من اخترعو البوصلة، وأول من اضاعوا الطريق. وأول من اكتشفوا الدورة الدموية، وأكثر من سفكوا دم بعضهم. وأول من اخترعوا الصفر لكنهم ظلوا يرزحون تحته. . .
ختاما: اخطر مراحل الغباء عندما يعتقد البعض ان الله يغضب إذا ذكرت مساوئ الطغاة، ولا يغضب لصراخ الأطفال اليتامى والجائعين والمرضى والمظلومين والمشردين. . . .