بقلم : فالح حسون الدراجي ..
قبل أربعة أشهر أو أكثر بقليل، وقبل ان أتوجه إلى العراق، ارسل لي صديقي الفنان الجميل سعد عبد الحسين (فيديو) يحتوي لقطات مصورة خارج بغداد، فيها فرح ورقص وغناء، وموسيقى، وفيها أشخاص بأعمار متقاربة يبدون في غاية النشوة والسعادة.. لقد كانت هذه ( الحفلة) الصاخبة أشبه بحفلات الأعراس التي كانت تقام في مدينة الثورة أيام زمان، بخاصة وان أغلب الأشخاص الظاهرين في هذا الفيديو هم رفاقي وأصحابي، بل وفيهم الكثير من جيلي ..
وقبل نهاية الفيديو أرسل لي (المحتفلون) تحيات عطرة، وكلمات جميلة.. مع وعد بإقامة سفرة مماثلة في شهر تموز، تكون (على شرفي) إن كنت موجوداً في بغداد..
ولأن وعد الحر دين كما يقال.. فقد التزم أصحابي ونفذوا ما وعدوا به.. وتم الإعلان عن السفرة فعلاً، تزامناً مع ذكرى ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.. ولأن السفرة ترفيهية واحتفالية، فقد قررت ادارتها تأجيلها خمسة أيام – أي إلى ما بعد يوم العاشر من محرم- احتراماً وتبجيلاً لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ..
وفي الساعة الواحدة والنصف من بعد ليلة الخميس الماضي، انطلق الباص السياحي إلى مدينة السليمانية يحمل ستة وعشرين شخصاً – عدد مجموعتنا فقط – ..
وهنا وقبل كل شيء أود أن أشير إلى أن عنوان (السليمانية تجمعنا) ليس جديداً ولا هو من ابتكاري، إنما هو عنوان اختارته هذه المجموعة منذ فترة ليست قصيرة، و اختيار هذا الاسم عنواناً لهذه المجموعة يعود لأسباب عديدة، حتى أنهم أنشؤوا (گروب) على الواتساب يحمل هذا العنوان ويضم ستة وعشرين عضواً او أكثر بقليل- وطبعاً فقد أصبحت واحداً من هذا الگروب الجميل- وأظن أن سفرات الگروب المتكررة إلى السليمانية دفعت ادارته إلى اختيار هذا العنوان المميز، فضلاً عن العلاقات الطيبة التي يرتبط بها المشرف على السفرة (كريم العراقي ابو وسام) مع أكثر من (رفيق) وصديق كردي من ابناء مدينة السليمانية، مثل (كاكا هيوا وكاكا عطا)، وما يقدمه هؤلاء الأصدقاء الكرد من مساعدات جمة في جميع السفرات.. ناهيك من حسن المعاملة التي يبديها المواطنون وكذلك الأجهزة الحكومية في السليمانية، مع توفر الشروط الطيبة والمزايا المناخية الرائعة، قد ساهمت كلها في اختيار السليمانية مكاناً ووجهةً يمضي اليها هذا الگروب في سفراته .. خصوصاً وأن (كاكا هيوا وكاكا عطا) يحرصان على توفير المزارع والاماكن الأمينة لنا مجاناً دون أي ثمن.
ولعل الشيء الذي خرجت به من هذه السفرة، ولم اجده في جميع سفراتي دون استثناء، هو ( راحة البال)، والقلب، واستعادة ذلك ( الحنين) الذي غاب عني منذ أن غابت تلك السفرات الرفاقية النقية والحميمية التي كان يقيمها الحزب الشيوعي العراقي ومنظماته في سبعينيات القرن الماضي إلى بساتين الراشدية وبعقوبة وأبو صيدا وغيرها..لقد شعرت وكأني أعود مع هذه الكوكبة الحبيبة العطرة إلى تلك الايام المتوهجة، والى ذلك الاريج الفواح، ولتلك الأقمار والنجوم التي تناثرت (مكرهةً) في سماوات الاغتراب والوجع والمنافي، أو مضى بعضها إلى الأبدية الموحشة.. هي أربعة أيام ليست أكثر قضيتها مع هذه الكوكبة النبيلة جداً، والكريمة جداً، لم أرَ فيها ولا فيهم سوى الحب، والجمال، والفن، والفرح، والاحترام والإيثار المدهش.. أربعة أيام اختلط فيها الحلم بالحقيقة، والواقع بالخيال، والماضي بالحاضر، بل وبالمستقبل أيضاً.. وفي سويعات هذه الأيام تذوقنا عسل المودة والرفقة والأخاء الحقيقي بملاعقنا وأوانينا البسيطة.
ثمة امر أبهرني جداً في شخصيات هذه السفرة، قد لا تجده في غيرهم.. فمثلاً وأنت منشغل بغسل يديك، ولم تكن منتبهاً إلى الشخص الذي يصب لك الماء، وحين ترفع رأسك تجده الرفيق حسين علاوي عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وحين ترفض ذلك، يضحك أبو علي، ويقول لك: هاي شنو كلنا رفاق وأصدقاء وما بيناتنا أي فرق !
والشيء نفسه يفعله الرفيق حسين علوان – الكادر المتقدم في الحزب- مع أشخاص كثيرين غيري .. إن هؤلاء الشيوعيين عجيبون، فهم لَعمري لا يعرفون التكبر ولا الترفع ولا النظر للآخر بعين متعالية، ولا يقيمون للمناصب او المواقع وزناً، أو يعيرونها أدنى اهتمام، إنهم باختصار شديد من طينة عراقية خاصة جداً ..
وطبعاً فأنا لن أحدثكم عن كريم العراقي ( ابو وسام) فهذا الرجل يمثل عشرة اشخاص بشخص واحد، فهو المشرف والمسؤول عن توفير كل شيء، بدءاً من تدبير سيارة السفرة مروراً بالفندق والمنام وتوفير الأمان والسلامة للجميع، ومثلما هو المسؤول عن الادارة المالية للسفرة والقضايا المهمة، فهو المسؤول أيضاً عن توفير أصغر الاحتياجات لستة وعشرين شخصاً، تصوروا إنه لا ينسى حتى (الثلج) !
ولا أخفيكم السر، فقد تمنيت أن أحدثكم بإسهاب عن حميد بدر ، ذلك الفنان المبدع الثر، والمجتهد، والمثابر، فهو المطرب وهو الملحن والعازف والمسؤول عن اجهزة الصوت والتسجيل
وكل ما يتعلق بشؤون السفرة الفنية .. إنه داينمو السفرة ومهندسها الفني.. لكن المشكلة أن مساحة المقال محدودة لا تكفي لكل مواهب حميد بدر..
وهنا يجب أن لا ننسى الفنان والكاتب والناقد الموسيقي ستار الناصر، فهذا الرجل (الموسوعة) يجبرك على أن تحبه، وتسمعه، وتتمنى أن لا تفارقه لحظة، فقد أشاع في أجواء سفرتنا عبير الغناء والطرب الأصيل- سواء العراقي أو العربي- وأمتعنا بروائع (الطربيات) التي لا يمر عليها إلا الذواقون والمقتدرون، إضافة إلى اجواء المرح والفرح التي كان يبثها ستار عبر قفشاته وتعليقاته.
ولو أكملنا الحديث عن الغناء في السفرة، فيجب علينا ان نفرد مكاناً واسعاً وعالياً للفنان الجميل سعد عبد الحسين، ذلك الموهوب الذي تخرج من المعهد الموسيقي، الذي تخرج منه كاظم الساهر، والذي خرج مع كوكبة مهمة من الفنانين من معطف ( المعلم الكبير) فاروق هلال، رغم أن سعد عبد الحسين ظل وفياً لبيئته الغنائية الجنوبية الحميمية التي نهل وينهل منها دون انقطاع.
أما (بهلول) السفرة اللاذع
، وشمعتها المضيئة التي لم تخفت طيلة الأيام والليالي الأربع، واقصد به صباح فنجان ( أبو فرات)، فحدث عنه بلا حرج.. إنه متعة وجمال وروعة وزهو السفرة دون شك ..
في (رحلة السليمانية) احتفلنا جميعاً بثورة الرابع عشر من تموز، وبزعيمها الفذ عبد الكريم قاسم، علماً أن السفرة ضمت عدداً من الشيوعيين والمستقلين والمدنيين، وعدداً آخر ربما لا تعنيهم السياسة، لكنهم جميعاً هتفوا للعراق، وغنوا لثورة تموز على إيقاع وموسيقى أغنية (سلاماً ع الزعيم)، كما رقصوا على أنغام (عمي يا ابو چاكوچ)
وأغنيات وطنية أخرى..
ختاماً- للتاريخ وللأمانة- أذكر أسماء الستَّ وعشرين نجمة الذين أضاؤوا سماء السليمانية أربع ليالٍ دون انقطاع.. وهم حسب التسجيل : حسين علوان، علي سلمان سلطان،
صادق كاظم لفته، عبد الكريم عباس، وليد عليوي، حسين مصطفى،
عباس غيلان ( ابو آثار)،
علاء كاظم، عبد الستار الناصر، سعد عبد الحسين، عبد الحميد بدر،
فالح حسون الدراجي،
صباح فنجان، صالح محمد جاسم، حسين علاوي، جبار اسد خان، ضياء تبل منشد، فيصل تبل منشد، إسماعيل عبيط ماري ..