بقلم : فالح حسون الدراجي ..
إسمحوا لي أن أتحدث اليوم بصراحة قد تزعج البعض من الاخوة القراء، سواء من الإسلاميين أو من العلمانيين او من جماعة (النص ونص) .. فالسير (غير الحذر) في منطقة مزدحمة بالالغام لن يكون سهلاً إن لم يكن محفوفاً بالمخاطر.. وهذا ما أتوقعه من الآراء التي قد تاتي بعد هذا المقال..
إن الخوض في العلاقة
- غير المستقرة تاريخياً – بين الاحزاب الشيوعية، والقوى الإسلامية، أمر حساس وغير مألوف في الصحافة اليومية العراقية تحديداً، فما بالك حين تكون الصحيفة محسوبة على الخط اليساري ؟! إن مراجعة هذه العلاقة المضطربة، ورؤية بعض التوترات الحاصلة بين الجبهة اليسارية والجبهة الإسلامية تاريخياً، كافية برأيي لزرع بذور الشك والريبة وعدم الثقة بين قواعد الطرفين، لا سيما في المراحل المتأزمة التي أوصلت هذه العلاقة إلى حد الاصطدام والاحتراب
بينهما أحياناً، ولدينا أمثلة عدة على هذا التصادم حصلت في العراق ولبنان ومصر والسودان وايران وغيرها من الدول.. وبناء على هذه العلاقة (التاريخية) المضطربة بين الطرفين، حدثت خلال الأسبوع الماضي اشكالية، وسوء فهم في الشارع السياسي العراقي، بل وحتى لدى بعض الشيوعيين أنفسهم، خاصة الشيوعيين غير المنتظمين في الحزب .. وقد حصلت هذه الإشكالية بعد أن أصدر الحزب الشيوعي العراقي بياناً رسمياً ( قوياً) استنكر فيه الاعتداءات الصهيونية الغاشمة على ضاحية بيروت الجنوبية، كما أدان جريمة اغتيال حسن نصر الله وقادة وكوادر حزب الله. حتى أن الحزب الشيوعي استخدم في هذا البيان كلمة (استشهاد) وليس (مقتل)، اُو اغتيال في عملية استهداف نصر الله و جماعته بالضاحية الجنوبية، وهو أمر لم يفعله الحزب من قبل في بياناته تجاه أي كان من العناصر الإسلامية. وهنا اسمحوا لي أن أنقل لكم بعضاً من نص هذا البيان :
( ارتكبت حكومة نتنياهو، وطاقمه الاجرامي الفاشي جريمة جديدة نكراء استشهد فيها السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، وعدد من قادة الحزب وكوادره..يأتي ارتكاب هذا الفعل الدنيء المدان في ظل تواصل العدوان الصهيوني على الشعبين اللبناني والفلسطيني، وحرب الإبادة الجماعية في غزة، في ظل تواطؤ ودعم كامل من الإدارة الامريكية وحلفائها، ومواقف عربية وإسلامية رسمية مخزية)..
-انتهى النقل- وعذراً عن عدم اضافة المزيد مما ورد في البيان بسبب ضيق مساحة المقال الافتتاحي.
والآن دعوني أطرح هذا السؤال الصادم، وأقول: هل (أجرم) المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي حين استنكر الاعتداءات الاسرائيلية على الشعب اللبناني في الضاحية والجنوب اللبناني، وعلى الشعب الفلسطيني في غزة .. وهل يعتقد الأخوة (المحتجون) أن الحزب الشيوعي قد ( أخطأ ) حين أدان اغتيال السيد حسن نصر الله وقادة حزب الله من قبل العصابات الصهيونية التي يقودها المجرم نتنياهو ؟
وهل يتوقع (الرافضون) لبيان الإدانة الشيوعي، أن حزب فهد وسلام عادل وجمال الحيدري وستار خضير ومحمد الخضري وشاكر محمود وعايدة ياسين وإكرام عواد وعميدة عذبي وجواد العطية وهندال وفالح الطائي وخيون حسون وخالد حمادي وغايب حوشي وكامل شياع ووضاح، وآلاف الشهداء، الشيوعيين، سيصمت أزاء هذه الاعتداءات الفاشية الصهيونية المحمية من طائرات وأساطيل زعيمة الإمبريالية، وهي تدمر وتهدم وتقتل شعبنا في جنوب لبنان وفلسطين ؟!
وهل (يتوقعون) مثلاً ان حزباً أممياً غنياً بالقيم والمبادئ، ثرياً بالوثبات الثورية والتضحيات التاريخية الإنسانية النقية، متسلحاً بافكار ثورية فذة، وتجارب باهرة مثل تجربة فلاديمير لينين، وبسالة جيفارا، وتضحيات هوشي منه، وقصص عشرات الآلاف من الشيوعيين التي تصلح أن تكون أمثلة يقتدى بها.. ناهيك من القصص الفذة لمدن (شيوعية) باسلة صمدت بوجه الطغاة والمحتلين والفاشيين وأفسدت اطماعهم واحلامهم السود.. تلك القصص التي تبدأ من صمود مدينة (ستالينغراد) ولا تنتهي عند صمود ومقاومة وبسالة مناطق الكريمات و باب الشيخ والكاظمية بوجه الفاشية البعثية في انقلاب شباط الأسود عام ١٩٦٣ ..
إن المقاومة الإسلامية جزء من المقاومة الوطنية حين (تتصدى) للطغيان والدكتاتورية والاحتلال – أي احتلال كان- وتقاوم الصهيونية والاستعمار . وأظن إن هذا الرأي يقترب كثيرا من رأي الحزب الشيوعي العراقي، إذ يقول الحزب في إحدى منشوراته الداخلية نصاً:
(الشيوعيون، وحزبنا بشكل خاص، معارضون للمشاريع والمخططات الصهيونية والإسرائيلية والامبريالية من حيث المبدأ والفعل، وكنا من المبادرين عربيا لفضح الصهيونية بتشكيل” عصبة مكافحة الصهيونية
” عام 1946. وكذلك الأمر بالنسبة لفضح ومقاومة المشاريع التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية ودمج إسرائيل في نسيج دول المنطقة من خلال التطبيع وتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يضمن الهيمنة الامريكية على المنطقة. نحن إذن مقاومون، والذي نختلف به مع المقاومة الإسلامية هو إضفاء الطابع الديني والطائفي على المقاومة وعلى حساب الطابع الوطني والقومي الذي ينسجم مع طبيعة الصراع الوطني والقومي التحرري. فليس من الصحيح حصر المقاومة ببعدها الإسلامي، ويمكن للمقاومة الاسلامية ان تكون جزءاً من المقاومة الوطنية او القومية. اما من يحاول اعتبار المقاومة الاسلامية بديلاً للمقاومة الوطنية والقومية ومحاربتها فهذا يتناقض مع الطبيعة الوطنية للصراع بالنسبة للفلسطينيين والشعوب العربية.. فما يحدث لا يستهدف حماس وحزب الله فقط وإنما يعكس مسعى إسرائيل لضرب إرادة المقاومة، وأي فعل مقاوم لمشاريعها ارتباطاً بالتطبيع وغيره. لذلك عندما نطرح في بيان الحزب بان المقاومة نفسها هي المستهدفة من اسرائيل، اي فكرة المقاومة، البديل هو الخنوع والقبول والرضا بمشروع اسرائيل. إذ لدينا صراع رئيسي مع المشروع الصهيوني الذي يبرز الآن إلى المقدمة. نحن دقيقون جداً في توضيح موقف الحزب من المخطط العدواني الذي نعمل على تجميع القوى لمقاومته ونحرص على عدم شيوع الاحباط. وفي الظروف الحالية ننظر إلى حزب الله وحسن نصر الله، في إطار الصراع الرئيسي، كمقاومين للمشروع الصهيوني- الأمريكي- الأمبريالي. لذا ندين العدوان الذي يتعرضون إليه ونحترم تضحياتهم ونقدرها لان الضربة وجّهت الى فكرة المقاومة بأجمعها وليست لشخص فقط. لقد أصبح حسن نصر الله رمزا من رموز المقاومة من دون أن يعني ذلك التخلي عن مواقفنا الناقدة للمقاومة الاسلامية ..)
- انتهى النقل – .
والآن ماعساني أن أخوض وأقول في هذا الموضوع، وكيف لي أن أفتي ( ومالك في المدينة يفتي)..؟
لذلك سأكتفي بإيضاح الحزب هذا، فهو الأعلم والأدرى مني ومن كان مثلي.. متمنياً أن يتفهم المعترضون من الأحبة اليساريين والديمقراطيين والمدنيين، ويقنعوا بهذا التوضيح المنقول عن احدى نشرات الحزب..
أما الرافضون من الأخوة الاسلاميين، فليس لي كلام معهم، فهم لا يقتنعون بكلامي، ولا يرضون بما سأقول، لأن مشكلتهم أساساً ليست معي ولا مع الحزب الشيوعي ولا حتى مع بيانه المندد، إنما مشكلتهم مع السيد حسن نصر الله نفسه، وحل هذه المشكلة وفتواها ليس عندي ولا حتى عند ( مالك) نفسه !!