بقلم: كمال فتاح حيدر ..
قديما كان زعماء القوى الاستعمارية يعملون بسرية تامة. يخفون مخططاتها التوسعية عن الشعوب المروَّضة والمُدجَّنة، لكنهم صاروا يتحدثون الآن بصوت عال من دون اكتراث بردود افعال حكوماتنا وأحزابها النفعية، التي ليس لها أي ردود رسمية أو جاسمية أو شوقية أو سعدية. .
تابعوا تصريحات العمة (كميلة حارس) وتصريحات المقاول الدولي (ترامبو) في خضم تنافسهما على خلافة الإمبراطورية الأمريكية، وسعيهما للاستحواذ على ثرواتنا. . كلاهما يهددان ويتوعدان بتغيير خارطة بلداننا، لكنك لن تسمع عنتريات حكوماتنا المتوددة لهما، ولن تقرأ مقالة استنكارية واحدة من تلك المقالات التي يكتبها مصممو إعلانات الدعارة السياسية. .
انظروا كيف دخلت بلداننا صالة العمليات منذ بضعة عقود، وكيف خضعت للتخدير والتحنيط والتجميد بانتظار تنفيذ قرارات التقسيم والتجزئة، وتغيير ملامحها الخارجية والتلاعب بتصاميمها الداخلية. .
فقد استعرض نتنياهو امام الأمم المتحدة خارطتين جديدتين للشرق الأوسط. كان يتحدث بكل صراحة عن عزمه للتغيير. شملت الخارطة الأولى: قوى السلام (حسب تعبيره)، وتضمنت الخارطة الأخرى: قوى الشر والإرهاب، وذلك حسب التصور الذي يسعى إليه في سياق تغيير المنطقة على طريقة الأواني المستطرقة. ومن دون ان يحدد ملامح وأهداف ذلك التغيير. ثم استعرض خارطة ثالثة قال انها تمثل حدود التمدد لكيانه المطاطي من النيل إلى الفرات. لم يعترض عليه أمراء الطوائف في حوض النيل، ولا أمراء الطوائف في حوض الفرات. ولا كهنة الجامعة الموميائية. .
لم تكن تلك الخرائط مجرد رسومات مقسمة بخطوط الطول والعرض بمقص سايكس وزميله بيكو، ولا من بنات افكار برنارد لويس، بل أظهرت رؤية نتنياهو لتصنيف الأمة العربية إلى محورين متنافرين: حيث وصف المحور الأول بمحور (النعمة)، ووصف الثاني بمحور (النقمة). وفي ضوء هذا التقسيم المحوري المعلن وقعت مدننا العراقية في الشطر المشمول بالانتقام، من دون ان يحتج عليه احد. في حين قرر الرئيس الأمريكي (جو بايدن) إعادة انتشار قواته في ربوع بلداننا الشرق أوسطية. .
تراودني هذه الايام شكوك وهواجس وكوابيس مقلقة. اغلب الظن ان التغيير المزعوم يقضي بتهجيرنا إلى قارة أنتاركتيكا، أو إلى صحراء الربع الخالي، وربما يرغموننا على العيش في معسكرات، أو في المقاطعات غير المسكونة من كندا. .
ختاماً: إن كان في الشرق الأوسط عربي واحد يعتقد أن امريكا جاءت بجيوشها وأساطيلها لكي تحمي المسيحيين والمسلمين وتوفر لهم العيش الرغيد، فهو لم يتعلم شيئا من دروس القرن الماضي. ولا من دروس الحاضر. .