بقلم: كمال فتاح حيدر ..
يقول مارك توين: إذا كنت لا تستطيع قول الحقيقة، فعلى الأقل كن ذكيا عندما تكذب. ويقول الفيلسوف برتراند راسل: الناس نوعان في تسويق الأكاذيب: منهم من يكذب لتجنب الألم، ومنهم من يكذب لكي يسبب لنا الألم. . فالكذب هو المنزلق الأكبر للوقوع في اوحال الخسائر والنكبات والانهيارات. .
خذ على سبيل المثال توجهات الدولة العراقية نحو فصل المنشأة العامة للطيران المدني عن وزارة النقل، وتنسيب موظف متقاعد (علي خليل) كان يعمل في مطار النجف ليتبوأ رئاسة سلطة الطيران المدني، ويبسط نفوذه على المطارات كلها، بضمنها مطار النجف الذي ظل حتى يومنا هذا يغرد خارج السرب، ويعمل خارج تشكيلات الدولة العراقية، علما ان قرار فصل سلطة الطيران صدر عام 2017 بتوجيه عاجل من رئيس مجلس الوزراء (العبادي) بتحريض من رئيس هيئة المستشارين من دون ان يكون المقترح مدرجا في محضر الاجتماع، واللافت للنظر ان القرار صدر بغياب وزير النقل الذي كان موفدا وقتذاك للمشاركة في مؤتمر وزراء النقل العرب. .
لم تكن هنالك اي مسوغات للفصل سوى حزمة من الأكاذيب لتمرير صفقات مريبة كان يعترض عليها وزير النقل، فبحثوا عن مخرج للإفلات من قبضة ذلك الوزير البصراوي المتمرد عليهم. ثم جاء من بعده ثلاثة وزراء من الذين شاركوا في فتح الأندلس، لكنهم لم يعترضوا ولم يطالبوا بعودة الطيران المدني إلى النقل وكانوا اشبه بالقطة المغمضة، حتى جاء اليوم الذي ارتأت فيه حكومة السوداني تصحيح المسار الخاطئ وإعادة الطيران المدني إلى حاضنته الرسمية (وزارة النقل)، لكنهم قرروا هذه المرة تكليف وزير الإسكان والإعمار لإدارة شؤون الطيران بدلا من وزير النقل (محيبس) الذي لم تكن لديه اي مشكلة بارتباط الطيران بالإسكان او بالبلديات او حتى بوزارة الزراعة أو بوزارة التربية. .
ولم يكن لديه اي اعتراض عندما حرموه من التدخل في شؤون الخطوط الجوية العراقية، وسحبوا منه صلاحيات نقل او تنسيب ابسط الموظفين من والى الخطوط، بعدما ربطوا مصيرها برجل كويتي (كامل العوضي) بذريعة ارتباط (العوضي) بالاتحاد الدولي للنقل الجوي IATA. وذلك من خلال تسويق اكذوبة جديدة تقول ان هذا المواطن الكويتي هو الذي سوف يجيب السبع من ذيله، وهو الذي يعيد طائراتنا للتحليق في الاجواء الاوروبية. .
الطامة الكبرى هي ان منظمة الطيران المدني الدولي ICAO ظلت تراقب المشهد العراقي من بعيد. وربما اشتركت معها الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران EASA. .
ومن المفارقات التي وقعت في مطار بغداد قرار سلطة الطيران بطرد عناصر شركة G4S المعنية بالأمن والحماية، في زمن وزير النقل (ناصر بندر) الطيار الزراعي الذي كانت مهمته رش المبيدات ومكافحة الحشرات، فاستبدلوا شركة G4S بشركة (بزنس انتل)، وهي شركة مسجلة باسم رجل أفغاني يدعى (حفيظ عوكي)، برأس مال لا يتجاوز 100 دولار فقط. وقد باشرت الشركة الأفغانية (الكندية) أعمالها في 30 سبتمبر 2022 وغادرت في 1 يونيو 2024 بعد أن توقفت عن دفع رواتب الموظفين لمدة ستة أشهر. ثم أنيطت مسؤولية امن المطار بعناصر الشرطة التابعين إلى وزارة الداخلية، وأصبح الدخول برسوم ربع دينار بتوجيه من (الكاظمي) وجيب الربع والحك الربع. .
في العراق مئات الطيارين الأكفاء الذين يحملون اعلى المؤهلات العلمية والمهنية ومشهود لهم بالمهارة والجدارة، ولدينا مئات الخبراء في هندسة الطيران، جميعهم على أتم الاستعداد لتصحيح الأخطاء والإخفاقات السابقة، لكن إرادة ذوي المنافع الخاصة سبقت إرادة ذوي الاختصاص، وهكذا فرضت متطلبات العبث والتخريب والتعطيل نفسها من اجل توفير البيئة القذرة لإبرام التعاقدات المشبوهة على حساب المصالح الوطنية. .
ختاماً: لقد قدمت وزارة النقل تنازلات متلاحقة بعد عام 2019. ثم تهاوت الوزارة برمتها وانزلقت في متاهات الرضوخ والاستسلام، وسوف لن تقوم لها قائمة لو استمر الحال على ما هو عليه. .