بقلم : د. سمير عبيد ..
أولا: بين فترة وأخرى نسمع من بعض السياسيين والنواب العراقيين تشدقاً وتجاوزاً غير مبرر وغير بريء بالضد من فصائل المقاومة ” المسلحة” وبالضد من الحشد الشعبي وهم يغازلون مشاريع خارجبة واعلام خارجي يشوه بالحقائق داخل العراق. والغريب ان هؤلاء النواب وهؤلاء السياسين ومعهم بعض الاعلاميين والصحفيين وبعض وسائل الاعلام بدأوا ولازالوا يقومون بخلط مقرف وغير عادل متناسين انه لولا الحشد الشعبي والفصائل التي انصهرت بالحشد لما بقي نظام سياسي ولما بقي برلمان يتشدق تحت قبته البعض ضد الحشد الشعبي ولما بقيت عملية سياسية أصلا . وبالتالي ان نسيان هذه التجربة وهذا السفر الكبير أزعجنا ويزعجنا جداً . فالحقيقة أنا كاتب وصحفي ومختص بالشأن العراقي وشؤون الشرق الأوسط يشرفني التشبث بالواقعية والمهنية ومهما كانت المغريات .وان ممارسة الواقعية نهج لديناحتى مع جهات نحن لا نحبها ولا نميل لها ولم نقتنع بخطابها يوما. فلا يجوز ممارسة استراتيجية ذاكرة السمكة ونسيان التضحيات والصفحات المجيدة!
ثانيا : فالواقعية والمهنية تحتمان على كل شخص وباحث يتناول الفصائل والحشد ان يفصل بين اربع مراحل مهمة وهي:
١-مرحلة مقاومة الاحتلال التي بدأت أواخر عام ٢٠٠٣ وعام ٢٠٠٤ صعوداً وعندما كانت جميع عناوين الفصائل تابعة للتيار الصدري وللمدرسة الصدرية التابعة لزعيمها الوطني والكبير الذي اغتيل عام ١٩٩٩ بأمر من جهات خارجية وبالتنسيق مع جهات داخلية ” دينية وسياسية” لم تتحمل خطاب ونهج ومشروع هذا الزعيم الوطني والديني والاجتماعي وهو المرجع الشيعي محمد صادق الصدر ” رض”.فمنها من تمرد على نهج ومشروع الصدر الثاني، ومنها من اجتهدت هي من نفسها ومضت، وأخرى ذهبت لتلتحق بخط ولاية الفقيه وايران ونالت الدعم العسكري والمالي والإعلامي واللوجستي من إيران !
٢- مرحلة تحديد الهويات والعناوين ” فصائل متعددة ” حصلت على تدريب وتمويل ووسائل إعلام فصنعت لنفسها جزر معزولة ومقرات ضخمة وثقافة خاصة وسلوك خاص وخدمتها الاحداث في سوريا التي بدأت عام ٢٠١١ لتعود باحثه عن حصص في الحكم والسلطة وعن مقاولات وصفقات بحيث شعر بعضها انها اقوى من الدولة. من هنا بدأت حساسية الشعب العراقي ضدها خصوصا عندما بدات بعض الفصائل بفرض ممارسات وثقافات إيرانية داخل العراق “باللباس والسلوك والممارسات والولاءات” بحيث حتى سببت هلعاً داخل الحوزات العراقية وداخل مرجعية النجف نفسها !
٣- ولكن عندما احتل تنظيم داعش الأرهابي مدينة الموصل والمدن الأخرى” السنيَة” عام ٢٠١٤ و بلعبة دولية واقليمية ومحلية قذرة وبدأ التنظيم يتمدد باتجاه العاصمة بغداد بسبب انهيار معنويات الجيش العراقي والشرطة العراقية . هنا صدرت فتوى المرجعية الشيعية في النجف وهي ( فتوى الجهاد الكفائي ) والتي هي ( تطوع بدون مقابل مادي ،ولا مخصصات، بل هو تطوع عقائدي ووطني واخلاقي وديني) وكل حسب قناعاته وتلبيته للفتوى. وبالفعل انصهرت الفصائل مع المتطوعين الشيعة القادمين من جميع المحافظات والمدن والقرى الشيعية في العراق وتبخر التوجس الشعبي من تلك الفصائل لان الجميع انصهروا تحت عنوان ( الحشد الشعبي ) والذي كان له الدور الأساسي والمهم بعودة الثقة والمعنويات للجيش الخرافي والشرطة العراقية لتعود وتمارس القتال الشرس والبطولي إلى جانب جهاز مكافحة الأرهاب والصنوف الأخرى. ومعهم الشرفاء من ابناء المحافظات السنية الذين رفضوا مشروع داعش والتصقوا بالحالة الوطنية .هنا اصبح الحشد الشعبي بعنوانه الكبير وجميع تضاريسه مجد وعز وفخر يتغنى به العراقيين وجميع الشيعة في العالم ويتغنى به الاعلام والمجتمع العراقي بل هناك من اسبغ عليه صفة القداسة واخذ يكتبه ويتحدث به ب ” الحشد المقدس” !
٤- حالة مابعد داعش … هناك تبخرت النوايا الطيبة سواء كانت عقائدية او وطنية او دينية وعلى الاقل من الكم الأكبر من قيادات الفصائل والحشد وتم نسيان تضحيات الفقراء والمحرومين من ابناء الشيعة وصار التفكير بالرواتب والحصص والميزانيات الضخمة من الدولة. اي تبخر الجهاد وتبخرت الفتوى وصار السباق نحو ( المال ، والصفقات ، والحصص في المناصب ، والمشاركة في السلطة ، والتوسع على حساب الدولة ، والتثقف بثقافات وافدة جعلت العراق اشبه بالاقليم التابع لإيران، واصبح من لديه صورة بجوار سليماني وبجوار ابو مهدي وبجوار رموز الحرس الثوري الايراني يحكم ويأمر )٠بحيث صار الذي ينتقد إيران والسياسات الإيرانية في العراق يتعرض للتهديد والترهيب والاجتثاث من الوظيفة وربما حتى من الحياة. فسادت ثقافة جديدة أرعبت وأرهبت العراقيين بصورة عامة والشيعة العراقيين بصورة خاصة وتعاظمت ولازالت مستمرة . من هنا تراجع الدعم الشعبي للحشد والفصائل ، وسقطت القدسية عن الحشد عند معظم العراقيين ، وتنامت ثقافة الخوف على الوطن والمجتمع والهوية العراقية بسبب سلوك وتصرفات وثقافات وتمدد الحشد والفصائل . وكل هذا بسبب تصرفات ونهج وخطاب معظم قيادات الحشد والفصائل !
الخلاصة :
فلا يجوز دمج تلك المراحل وتوجيه الاتهام والتسقيط والفوبيا من الفصائل والحشد . بل يجب فصل المراحل وتقييمها اولا .وثانيا يجب كشف اسباب النأي الشعبي ونأي الثقة وهبوط القدسية عن الحشد وبعض والفصائل. ونعود ونكرر ان المافيات التي انتفخت داخل بعض الفصائل وداخل الحشد والتي باتت تخيف المجتمع والدولة هي السبب بالتوجس من مشروع الحشد الشعبي. وطبيعي وفي جميع دول العالم من ليس لديه حاضنة شعبية يتراجع سواء كان مشروع سياسي او مشروع مقاومة او مشروع معارضة ” وان هذا الأمر الاستراتيجي لم تكترث له معظم القيادات داخل الحشد وداخل الفصائل ” فتراجع تلك التجربة خصوصا عندما تشبثت بالشعارات والثقافات الصادرة من ولاية الفقيه وتناست انها تعمل وتتحرك في داخل العراق وداخل المجتمع العراقي !
فلاش مهم :-
ونكرر ونعيد ان داخل الحشد وداخل الفصائل شخصيات وقادة ومقاتلين لازال ولاءهم للعراق. ولا يؤمنوا بالعنف والترهيب والتكميم ضد منتقديهم وضد معارضيهم . ولكنهم لم يمتلكوا قرار الانفصال لوحدهم ، او قرار الاعتراض على انتفاخ وتمدد المافيات التي تحدثنا عنها في سياق المقال !
سمير عبيد
١٠ يناير ٢٠٢٥