فالح حسون الدراجي …
في كرة القدم، هناك أهداف غالية أغلى من الجواهر، تظل خالدة الى الابد.. وهناك لاعبون كبار ظلوا لامعين، ومضيئين حتى بعد اعتزالهم، بل وحتى بعد رحيلهم أيضاً.. فهل يمكن لنا مثلاً أن ننسى في يوم من الأيام الاسطورة بيليه، أم المعجزة مارادونا، لاسيما هدفه على منتخب انكلترا، حين راوغ ثمانية من اللاعبين الانكليز، أم ننسى الاسطورة والمعجزة معاً (ميسي) وفنونه الفريدة وأهدافه السحرية؟.
وفي الغناء العربي، ثمة أغنيات أبدية لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الجمعية، حتى لو شاخت وهرمت هذه الذاكرة.. وطبعاً هناك مغنون ومغنيات لامعون ظلوا ملتصقين بذاكرة القلب، من دون ان تجرؤ ماسحة النسيان على الاقتراب من هذه الاسماء الفنية الكبيرة، كأم كلثوم وفيروز وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وناظم الغزالي وصباح فخري ونجاة الصغيرة وفرانك سيناترا، والفيس بريسلي ومايكل جاكسون، وغيرهم من أساطير الفن الغنائي. وفي الشعر والقصيدة، قد يجف الزمن وتنطفئ الايام، بينما تظل حروف اسم المتنبي والجواهري والبحتري وعمرو بن كلثوم وأبو تمام والسياب وقباني ودرويش والنواب وكاظم الحجاج والبياتي وآراغون ونيرودا وأنسي الحاج وسعدي يوسف (رغم علاته) وناظم حكمت، وايلوار، واليوت وغيرهم مضيئة وطرية حتى فناء الكون..
وفي الشعر الشعبي يظل الحاج زاير وعبدالحسين صبرة، وعبدالصاحب عبيد الحلي، وأبو معيشي، وعبدالحسين ابو شبع وفدعة، وفطيمة العلوية، وعريان السيد خلف وكاظم الكاطع وشاكر السماوي، وأبو سرحان، وعلي الشباني، وعزيز السماوي، وطارق ياسين، واسماعيل محمد اسماعيل، ومجيد جاسم الخيون، وكاظم الرويعي، وناظم السماوي وجمعة الحلفي، وكريم محمد، وحامد العبيدي، وعبدالكريم العلاف، وكاظم خبط، وصاحب الضويري، ومهدي السوداني، ورياض النعماني، وكامل الركابي، وريسان الخزعلي، وكاظم غيلان، ورحيم الغالبي، وفاضل السعيدي، وعطا السعيدي، وبشير العبودي، وكريم العراقي، وكريم العماري، وطاهر سلمان، ومحسن الخياط وغيرهم من مبدعي الشعر والنص الغنائي، نجوماً ساطعة في سماء الابداع الوطني في العراق.. حيث يستحق كل واحد منهم مقالة، بل وكتاباً كبيراً تتجمل صفحاته بشذرات الزهو الابداعي لهؤلاء العمالقة..
واليوم، حين أمر على كبير القصيدة العامية العراقية ومهندس الوعي الفكري، والجمالي في عمارة القصيدة الشعبية، فأني أمر على واحد من مجمّلي وجه الشعر العراقي، وأبرز منقذي القصيدة العامية من كل ما لحق بها من قبح فادح.. وأقصد كاظم الركابي(منجل) الناصرية، وبيدرها الشعري الوافر.. فكاظم الركابي لم يكن شاعراً مثل أي شاعر شعبي آخر، ولا سياسياً محترفاً يشار له (بالبنان) السياسي، كما لم يكن شخصاً استثنائياً في الشارع العراقي.. إنما كان رجلاً بسيطاً جداً كالخبز.. وناعماً كالعطر، ومتواضعاً رغم مداد قامته، وتفرعاتها الفخمة في الصوت والصورة.. والاهم في كل ذلك، كان الركابي خجولاً جداً رغم صراحته المحرجة.. واليوم تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ نسختي من مجموعة كاظم الركابي الاولى والأخيرة والتي أسماها ((مناجل)) اعتزازاً بقصيدته الأشهر (مناجل) التي كسبت لميدان الشعر الشعبي ألف شاعر شعبي، وكسبت لجمهور الشعر مليون مريد وهاوٍ وعاشق للشعر.. لذا، فإني أنحني لكل حرف مضيء جاء في هذا الكتاب الشعري الجميل..
ويقيناً أن مقدمة (رياض النعماني) الذي يغمّس ويروّي ريشته بماء الياسمين حين يكتب عن شاعر ما، بينما يغمس قلمه بماء النار (رغم شفافيته المفرطة، وحريريته المذهلة) حين يكتب عن الطغاة!!
أقول: إن مقدمة رياض النعماني لم تكن مقدمة خطابية.. أو مادة مختلفة عن قصائد المجموعة الشعرية، بل على العكس فهي قصيدة متكاملة يمكن إدراجها، واحتسابها ضمن قصائد (مناجل) بخاصة وأن شاعرية رياض وإن كانت (أترف من چفافي المهر) ليست بعيدة كل البعد عن ميدان كاظم الركابي الشعري.. فكاظم ورياض والنواب وأبو سرحان والشباني وطارق ياسين وكامل الركابي وغيرهم ينتمون الى بهاء شعري واحد..
ختاماً أود أن أقول: إن كتابتي اليوم عن ديوان (مناجل) للشاعر الراحل كاظم الركابي في افتتاحية الجريدة، هي من أجل إيصال فكرة واحدة الى القراء الكرام، بخاصة أبناء الأجيال الجديدة، مفادها أن الراحل كاظم الركابي لم يمت مرضاً، ولا شيخوخة، ولا بحادث سير، أو برصاصة طائشة.. إنما مات بكأس سم (سقاه) بقصد أحد أوباش الطاغية صدام، رغم أن الركابي كان شاعراً فقط.. إذ لم يكن يوماً منافساً لصدام على كرسي الرئاسة!!