بقلم : د. علي النشمي …
كنت في أواسط التسعينيات ادرس في ليبيا وفي مرة كنت أتمشى في منطقة في طرابلس اسمها جنزور قابلني رجل عراقي مع أسرته يدرس في ليبيا وسلم على بحرارة شديدة وقال انا اعرفك ومتاثر ببرامجك وقال أن ام علي (اي زوجته) اليوم عاملة طبخ للامام الحسين حيث كان يوم تسعة محرم وأثناء الحديث مر دكتور مصري مع عائلته وسلم علي لانه زميلي في الجامعة الليببة ولذلك دعى الرجل العراقي الاخ المصري وعائلته لحضور جلسة الهريسة اليوم فوافقنا وفي المساء تجمعنا عند بيت العراقي وكان هناك مجموعة من الأساتذة العراقيين وعوائلهم وأثناء الطبخ والذي كان في حديقة المنزل تناولنا الحديث واستذكار حادثة الطف وطلبوا مني الحديث فتكلمت عن رحلة الحسين عليه السلام وبلاغته والظروف السياسية وايضا تحدثت عن استشهاد الإمام الحسين بطريقة علمية ولكنها بعاطفة إنسانية لذلك بكت النساء من شدة الحزن لما أوردت من حوادث وقعت.. وفجأة قامت الأخت المصرية زوجة زميلنا ووقفت بين الجميع وهي تصرخ بهستيرية: معقولة ده يحصل لسيدنا الحسين ويقتل بالطريقة دِي وهي تحرك أطرافها حركات هستيرية من شدة الانفعال والحزن، ثم قام زوجها ومسكها خوفا من أن تسقط وحضنتها بناتها الصغيرات وهن يبكين ثم طوقت بالسيدات العراقيات وهن يبكين معها وبعد أن هدأت قالت لي نذر عليّ يا دكتور لعمل كل سنة استذكار وهريسة لسيدنا الحسين وافرقها على روحه الطاهرة في السيدة والحسين في مصر وبعد ذلك اكتملت الهريسة وطلبت من الجميع ان نصلي ركعتين لروح الإمام الحسين وانتهت مراسيم استذكار الطف بكل احترام وكانت جلسة علمية فيها المعلومة والموعظة وغيرها دون لطم او نعي فإن الحديث كان مؤثرا جدا في الحضور ولكني نسيت هذه الحادثة لأني غادرت ليبيا للتدريس في تونس ومن هناك ذهبت بعدها لاوربا ثم رجعت للعراق وفي عام ٢٠٠٩ ارسل لي احد الاخوة المسؤولين في ليبيا دعوة لأني كنت قد اشرفت على رسالة الماجستير وكان متأثرا بي كثيرا ومحبا وبعدها اصبح مسؤولا كبيرا في ليبيا في حينها ولذلك ذهبت إلى الكلية التي كنت ادرس فيها وسألت عن الزملاء فقالوا غادروا منذ سنين لوطنهم وسألت عن الاخ المصري فقال احد الأساتذة انه صديقي و عندي هاتفه فاتصلت به فى مصر ولم يصدق الاتصال وسألت عن الأخت ام محمد زوجته فقال تعيش انتَ ولكنها ظلت حتى وفاتها تدعو لك بالخير وللعراق كلما سمعت اخبار الحرب في العراق وقال : كانت كل عاشوراء تعمل هريسة وتفرقها على المساكين في مسجد الحسين في القاهرة وكانت تجمع اخواتها وتحكي لهم عن استشهاد سيدنا الحسين زي ما انت حكيت وبعدها تقوم تصلي لسيدنا الحسين وظلت كل ما تواجهها حاجة تقول بـ بركات سيدنا الحسين.
وهنا طلبت أن اكلم بناتها اللواتي كن صغيرات في حينها والآن متزوجات بعد عشر سنوات فقالت لي ابنتها الكبرى احنا بنفتِكر كل كلامك من يومها وماما وصتنا قبل ما تموت أن نستمر في عمل الهريسة والصلاة لسيدنا الحسين واحنا بنعمل كده كل سنة وقالت لقد بقيت امي لحين وفاتها متواصلة مع سيدنا الحسين وفي يوم وفاتها بسبب السرطان اجتمعت العائلة كلها حولها وهي بتلفظ أنفاسها كانت خالتي تقول لها انت حتروحي الجنة لان وجهك منور جدا وبيشِع نور الهي لأنك مؤمنة فردت أمي وقالت لا لا يآختي النور هذا هو نور محبة سيدنا الحسين لأني كنت اذكره كل عام، وقبل أن تلفظ أنفاسها قالت( گيَّالك يا حسين.. گيَّالك يا سيدنا وابن سيدنا الرسول.. گيَّالك يا حبيبنا.. وحبيب سيدنا الرسول، ثم نطقت الشهادة وتوفت ووجهها يشع نورا.
ابكتني والله هذة المكالمة وابكت كل عائلتها كما انا ابكي الآن عندما اكتب هذة الكلمات ووجهي ممتلئ بالدموع والله.
رحمة الله عليك يا اختي ام محمد المصرية الطاهرة التي استوعبت الكلام ودخل قلبها المؤمن.
اني اكتب هذة الحادثة كي اقول: ان استذكار الإمام الحسين بطريقة تليق بة وتعبر عن حقيقة ثورته تجعل القلوب تنحاز إليه في ثورته بينما ما نشاهده من إساأت تجعل المسلمين ينفرون منا ويرسلون لنا المتطرفين ليفجروا أجسامهم بنا لأننا في نظرهم نخرج عن الطريق القويم كم اتمنى ان يكون خطابنا الحسيني بمستوى الحسين، والله لو فعلناها فسيكون كل العرب حسينين.
والله من وراء القصد.
قصة ابكتني