بقلم : هادي جلو مرعي …
قلت ذلك لشبان كانوا يسايرونني في مناسبة ثقافية، وكانوا يثيرون مسألة الضعف والهوان الذي هم عليه، وقلة العدد والناصر، وأشرت إن العدد ليس مشكلة فقذ يزداد بمرور الوقت، وقد تتغير الأحوال، وتتبدل، ثم يجد الناس إن مشكلتهم ليست في العدد، ولا في الأموال، ولافي النفوذ، ولافي السلطة، بل هناك مشكلة أعمق واخطر، وقد تتسبب بكارثة لايستطيع المال، ولاالنفوذ، ولاالعدد من تخفيف وطأتها، وماتسببه من ضرر بالغ على الناس، وحياتهم، وأسرهم، ومستقبل ابنائهم.
أحد الأطفال في مدرسة إبتدائية، وقد بدأ يتشكل عنده الوعي، قال لوالده: أريدك أن تزوجني قبل أن (يخلصوا النسوان) وربما فهم أحدهم من قول الصبي إنه يخشى نفاد النساء، وغيابهن عن وجه الأرض، وبالتالي ندرتهن، وصعوبة الحصول على واحدة منهن، وهو يرجو بذلك تدارك الأمر قبل فوات الأوان، وضياع الفرصة، ولعله يريد نيل مبتغاه، وبأقل ضرر، وهو خوف يشبه الى حد بعيد خوف الشبان الذين أصابتهم الخشية من دوام الإستبداد، وضياع المستقبل، ولم يدرك هولاء الشبان رغم إن أعمارهم تتجاوز العشرين طبيعة المشكلة التي أدركها الصبي بعد خمسة وعشرين عاما مرت من الزمن.
وفي الأثر: إن العدد ليس هو المشكلة، بل هو الضعف الذاتي، وحب الشهوات، والرغبة في الدنيا دون بذل الوسع في تحقيق الأهداف، والوصول الى الغايات، وفي الحديث الشريف ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت.
وهنا تكمن المشكلة، فعامل الأخلاق، والصفات الحسنة، والسعي الصادق في تحصيل المكاسب، وتحمل الصعاب، والإلتزام بقيم التربية، والتعامل الإنساني والتكافل والرحمة بالمستضعفين في الأرض، وتجنب الصفات الذميمة كالكذب والخيانة والتجاوز على المال العام، وممتلكات العوام والغش والخداع، وسواها من نقائص تذهب بقدرة الإنسان وتضعفه، ومن يتخلى عن الأخلاق يتحول الى آلة تعمل دون إحساس بماحولها، ويفقد دوره ومسؤوليته ولايعود مفيدا، وبدلا من أن يكون منتجا في مجتمعه، يتحول الى عامل تاثير سلبي وقاتل.