بقلم : حسن المياح …
كثيرآ ما نسمع ونقرأ في التحليل والنقد السياسي كلمة ذيل ، ومصطلح ذيول ، على أساس أنه يعني التبع والعمالة ، والإستعباد والإستحمار ، والإنتقاص والمهانة ، واللوث والتقذر والإنحراف عن طريق الإستقامة …..وكأن هذا المصطلح لما يطلق على الخصم والمنافس ، فإنه إهانة وتوبيخ ، وتقريع وتشنيع ، وفضح وتسقيط ، وإبانة إزدراء وتحقير وتكشيف عورة ونذالة ، وما الى ذلك من تنقيصات وتجريدات تشير الى الخلل والإنتقاص ، والمذمة والإهانة ، والسب والقذف ، والتوجيع والشتم …..
الذيل في اللغة هو ” آخر كل شيء ” ، وذيل الثوب والرداء هو ما أسبل منه فأصاب الأرض ، وذيل المرأة لكل ثوب تلبسه إذا جرته على الأرض من خلفها ، وهذه أجمل موضة مدنية ، وألطف تصرف زي حضاري في الحفلات الليلية والنهارية ، والتي تقام في أجواء رومانسية حالمة خيالية طائرة ، فهل مثل هذا الذيل يعاب وينتقص يا من تشتم لتوهن وتنتقص ، وتسب لتعير وتسقط ….!!! ؟؟؟
وإذا أردت أن تهين فلا تستخدم الإذالة ( بمعنى الإهانة ) ، لأن الرسول محمد بن عبدالله النبي الخلوق الكريم صلى الله عليه وآله نهى عن إذالة الخيل ، وهو إمتهانها بالعمل والحمل عليها ( بمعنى لم يعطها حقها ، وحقيقة فائدة وجودها وجنس عملها ) من أجل الإستخفاف بها . وفي الحديث ” أذال الناس الخيل ” يعني أنهم وضعوا أداة الحرب عنها وأرسلوها ، وهي المركب المعدة والمهيئة أن يحمل الفارس سلاحه وعدته الحربية عليها ، ويقاتل وهو راكب على ظهرها …..
والحديث عن الذيل والذيول حديث ذو شجون وتفريعات ، ينطوي على فوائد وإستفادات سنعرض لبعضها ، ونبين أن الذيل ليس هو منقصة ولا هو سباب ، ولا هو تعيير ولا هو تسقيط ، ولا هو توهين من شأن ولا هو تهميش وإزدراء …. لأن للذيل والذيول فوائدآ جمة وأغراضآ جلآ ، وفيها إستفادات ومآرب أخرى ….
الذيل هو كمال خلقة وحسن تقويم خلق ، ومنظر جميل وشكل بهي وسيم لما يتبختر به الحيوان عندما يستخدمه في أغراضه وإحتياجاته للمنع من الأذى ، والجلب للنفع والفائدة ، كما هي المرأة التي تلبس الثوب ذا الذيل الطويل ، وتجره من وراءها وخلفها تبخترآ وغنجآ وتدلعآ ، ومن منكم من لا يسيل لعابه إذا تتبختر المرأة الحسناء في مشيتها المترنحة الرقوص ، بثوبها ذي الذيل الطويل الذي تجره إنطواءآ وتموجآ [ ألم تفتحوا الويلات ( الإطارات ، التايرات ) الأربعة ] ….. ؟؟؟
والذيل هو أداة توازن ، ووسيلة إستواء خلقة في الحيوان ، لما يمشي ويتحرك ، وللذيل فيه ( للحيوان ) دلالات غضب حينما يداهمه خطر ، أو يقترب منه حيوان آخر لمقاتلته ، فهو اللسان الناطق بإسلوب حركة وإشارة ، وفي حركته علامات نذر وتحذير ، وإشارات مرح وفرح ، وأمارات إنفراج وإزالة خطر وسلامة ….. وكل هذه من فوائد الذيل والذيول الطويلة المتدلية المنسابة …
والذيل ربما يكون ما هو على شاكلته في المقدمة كما هو في المؤخرة ، مثل خرطوم الفيل ، ويؤدي غرض اليد ، وهو البديل عنها ، فهو من خلال خرطومه — بإستخدامه وسيلة — يأكل ويشرب ، ويقوم بأعمال أخرى ، وربما هو يستخدمه كوسيلة قتال معاونة مع أنيابه ، للشد واللوي ، والعرقلة والمسك ، والعصر والجر ، والقطع والخلع ……
والذيل والذيول أنواع وأشكال ، وأحجام وأطوال ، وكل له غرض وفائدة ، وضرورة وحاجة ، ومأرب ومنفعة في الخلقة ، تبارك الله أحسن الخالقين …. فمنه ما يكون طويلآ كما في الأسد والنمر ، والسنوريات والقطط ، وكل بالنسبة الى حجمه وضخامته ، وتبعآ لما تتحقق الفائدة منه …. ومنه القصير كما في الحمار والزرافة والفيل ، والنعامة والطيور ، وكل له ضرورته حاجة وإستخدامآ …. ومنه مكون من عصبة يملؤها الشعر كما في الحصان ، ومنه ذيله من ريش كما في الطيور والدجاج والبط والأوز ، ومنه من جنس نوعية بدنه وهو الضعيف وفيه ميل الى الطول كما في الجرذ والفأر وإبن عرس وبعض القوارض ، ومنه ذنب قصير جدآ يتضمن آلة عزف موسيقي صاخب مدوي بجرس إنذار وتحذير كما هو في إفعى الكوبرا ذات الأجراس المجلجلة الصارخة المخيفة الرهيبة ، وهو سلاح تستخدمه لدفع الشر والتخلص من القتال ، وآخر مكون من عصبة قوية طويلة في نهايتها شعر يهش به على جسده ، ويذب به من كيد الحشرات ولسع المخلوقات الطائرات والديدان وما الى ذلك من دواب كما في الأسد والنمر والفهد والسنوريات …… وأشكاله تختلف الواحد عن الآخر ، فمنه من جنس الشعر الكثير المستوعب للذيل من بدايته حتى منتهاه ، كما هو ذيل الحصان والقطة والكلب ، ومنه عصبة صغيرة فقط فيها إتساع عرض اللاصق في المؤخرة ، ويبدأ يتقصر ضيقآ الى النهاية ليغطي عورة الحيوان ، ويهش به عنها كما في الماعز والغزال والوعل ، ومنه ما هو على شكل فرشة لحم وشحم سميكة عريضة كبيرة مغطاة بالصوف كما في الخروف ……
والفائدة الأساس في الذيل والذيول في خلقة الحيوان هو ستر وتغطية العورة ، وحجب ومنع النظر اليها والتفحص عن كثب بها ، وهو لحفظ شرف وكرامة الحيوان …. والإنسان لا يثأر لكرامته وشرفه لما يحتقر الذيل ، ويهين الذيول ويحتقرها ويعير بها … ؟؟؟ !!! وهذا هو عكس ما مفهوم الذيل الذي يستخدم إصطلاحآ سياسيآ لكشف العورة ، وفضح الستر وكشفه على أنه عمالة وإستعباد ، وإستحمار وإنقياد …..
والذيل هو لتثبيت وجود الإنتماء من عدمه والبرهان عليه ، ولتأكيد الولاء وجودآ أو عدمآ ، كما في قواعد اللغة الإنكليزية في موضوع الأسئلة الذيلية ( Tale questions ) ، كما في المثال النحوي التالي للتثبيت والبرهان :- . Layla is in the school , isn’t she . Yes , she is ( تواجد ليلى في المدرسة ، والبرهان على حضورها في المدرسة ….. ، من خلال السؤال الذيلي الذي يبين ويكشف ويظهر ذلك ) .
والمثال على تأكيد الولاء من عدمه ، مثلآ :- . Ali is Iraqi , isn’t he . Yes he is ( إنتماء علي للوطن العراق ، بمعنى هويته وجنسيته وتوجهه وإخلاصه وولاؤه ، كذلك من خلال السؤال الذيلي الذي يبين ويكشف ويظهر ذلك ) .
وآخر ما نختم به هذا المقال … ، هو أن الزعيم السياسي في حالة الحرب والقتال والمعارك ، إذا أراد أن يتواجد في الميدان ، ويتابع المعركة ، فإنه يتواجد ويكون في الخلفيات ( الذيل والموخرة ) ، ولا يكون في المتقدم والأمام وفي الصفوف الأمامية ، لما هو عليه من أهمية وجود ، وضرورة بقاء حياة زعامة وقيادة …. فهل في هذا عيب أو مثلبة ، أو تعيير أو إنتقاص ، أو جبن أو عمالة ، أو نكوص أو إرتداد ، وما الى ذلك من إهانات ومهانات ….. وأما إذا تطلب الأمر على الزعيم والقائد العام للقوات المسلحة أن يزور المتقدم ، فهو إستثناء ، كما هو الخرطوم في الفيل الذي في المقدمة والأمام ، والرأس والمتقدم … ؟؟؟
هذه بعض التلميحات والإثباتات ، والأدلة والبراهين ، على أن مصطلح الذيل لما يطلق في التحليل والنقد السياسي ، هو إستعمال غلط وإشتباه ، وفيه الكثير من المغالطة والتشويش ، وأنه ليس دقيقآ ولا هو على صواب دائم ، ولكن الخطأ الشائع أفضل وأكثر إستعمالآ من الصدق الضائع ، كما يقول المثل العربي ذو الدلالة والتنبيه …..
هذا ما يسمح به المقال من ذكر توضيح وبيان …..
تكملة لمقال # الذيل والذيول # نقول :-
لو بعث الله سبحانه وتعالى تشارلس دارون من مرقده ، وأخرجه من قبره ، لأخبرنا أن للإنسان ذيلآ ، وربما هو طويل ، وقد ضمر وقصر ، وذاب وإنحسر ، الى أن صار عصعصآ فوق الدبر ، كما هي نظريته في التطور ….
حسن المياح – البصرة .