بقلم : حسن المياح …
《 السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ، كل واحدة منها هي ميزان فيصل ، لما لها من سلطان قرار 》
لما يتراخى الفيصل — وهو مركز القرار وبيده وسيلة التمكين — عن عزم وجبروت عصمته ، ويميل الى جانب القوي المتسلط ، ويحقق ويمرر القرارات التي تنفعه ، ويوقف ، وربما يلغي تلك القرارات التي تعاكسه ، والتي تقف بالضد منه ، فإنه لا يصلح أن يكون الحاكم الفيصل ، ولا هو ميزان الحق ، ولا يمكن أن يكون هو المسؤول الذي بيده سلطان الفصل والحسم ، وذلك لأنه لم يحترم طهارة وجوده المستقيم ، وأنه لا يملك نقاوة نزاهته في تحمل المسؤولية ، وأنه لم يكن صاحب القول العادل المستقيم الفصل ؛ وإنما قراراته هي عمل هزل ، وأنها فعل ترضية لمن يخشاه ……. ولذلك لم يكن ذلك الشيء مهما كان سلطان وجوده …. أنه مصداق حقيقة وجوهر وماهية وجوده الذي من أجله كان ……
تلك قاعدة عامة ، وحكم كلي ينطبق على جميع المصاديق ، سواء كانت تلك المصاديق من حيث الوضع في حالة إيجاب ، أم في حالة سلب …. لأن الميزان الحق لا يتأثر في تقدير الموزونات ثقل تفوق وزن إلا بما هي حقيقة جرم معد للوزن . فالوزن كيلوغرام ينطبق على كل الأشياء الموزونة ( التي تقدير ثقل جرمها هو ١٠٠٠ غرام ) دون ميل الى نوعية وشكل ذلك الشيء الموزون ، والسبب في هذا ، لأن الميزان يعتمد تقدير وزن الشيء على أساس ثقل كتلة ذلك الشيء الموزون ، مهما كان شكل الكتلة تراصآ أو إنتفاشآ ، وإجتماعآ أو إنتفاخآ …..
وهذا الثقل الذي يميز والذي نتحدث عنه ، هو الموجودات بما هي الماهيات والإستحضارات والإستعدادات والأسباب والإرتكازات والإعتمادات التي تجعل من الشيء مقدار ثقل وزن ، بأي نوع أو شكل كتلوي يكون عليه ذلك الشيء نفسه ….. فلا إلتواء عن حق الى باطل ، ولا ميل عاطفة أو جذب هوى من كفة الى أخرى ، ولا إنحناء إستجابة لشيء على حساب شيء آخر لوجود دالة جذب أو حالة نفور ، ولا سلطان قوة يجبر ويفرض ، ولا هشة وضعف موقف يطمع ، وما الى ذلك من جواذب تملق وتبريرات ميل مداهنة وعاطفة إقتراب وليونة ملمس وإستجابة محاباة ، ومن نوافر وزوافر ودوافع ومثبطات وطاردات ، من تحقيق كيل إستقامة ، وميزان عدل ، وقسطاس حق ، يعطي كل ذي حق حقه في الوزن والتوزين ، والكيل والتكييل …..
الميزان سلطان حاكمية حق ، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى واصفآ الميزان والوزن 《 وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان 》، ولا يصح الفرض والطغيان في الميزان《 ألا تطغوا في الميزان 》بمعنى الإلتزام بالعدل الحازم في تقدير كل الأمور والعلاقات والمعاملات والأحكام بحيث لا يشوب هذا الإلتزام شوب إنحراف عن خط الإستقامة ، لأن الميزان يرسم للحياة وللناس حدود الأشياء وموازينها بطريقة دقيقة ذكية نبيهة مضبوطة ، لا تنحرف بالتصور عن الإستقامة في الفكر والحكم والقيمة ….. ولذلك وضع الله سبحانه وتعالى ببصير حكمة 《 الميزان 》، كحاكمية عدل في خط إستقامة …….
فالقاضي ميزان ، والحاكم السياسي ميزان ، والمسؤول المكلف وظيفة مهما كانت درجة تلك الوظيفة ومقدار المسؤولية فيها فهي ميزان ، وكل شيء بيده سلطان قرار هو ميزان ، وكل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى ، وأنزله ، فهو بقدر موزون ، وذلك هو الميزان ….
والنقد والتقييم ميزان ، والكلمة ميزان ، والموقف ميزان ، وحكم الراعي على رعيته ميزان ، وتكليف المسؤولية ميزان ….. وما الى ذلك من أنواع ومصاديق الميزان …. وكل ميزان وراءه حساب عسير ، والسلطان على كل هذه الأنواع من الميزان يوم يقوم الحساب ( الذي هو كذلك ميزان ) هو الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها …. وهذا ( الكتاب ) هو الميزان الأخير الذي يقدر عمل كل الموازين ، وهو الذي يمنح الشهادة النهائية لكل ميزان ، سواء كان ذلك الميزان قدر حقآ ، أو نطق باطلآ ……
حسن المياح – البصرة .