بقلم: كاظم فنجان الحمامي …
فوكودا رجل ياباني بسيط, سجل بشهامته وحميته موقفا وطنيا مدهشاً, ورفع إسمه وأسم أسرته إلى مصاف الفرسان في الحرس الإمبراطوري. .
تتلخص قصته أنه كان مديرا لبلدية مدينة (كوبي), التي ضربها الزلزال، فدمر خزانات المياه ومحطات التحلية, وأصاب منظومات الأنابيب المنزلية بأعطاب كثيرة, فانقطعت المياه عن الناس, وكانوا في أمس الحاجة لمن يروي ظمأهم, وهنا جاء دور (فوكودا), فعمل بجد ليل نهار, وكان اثناء مساعدته المتضررين يبكي بكاءً شديداً, لم يُعرف سبب بكائه, لكنه شوهد بعد يوم من الكارثة يؤدي بعض المراسيم التقليدية لدفن زوجته, التي تأخر في البحث عنها تحت أنقاض منزله, بسبب انشغاله بإنقاذ المنكوبين ومعالجة الجرحى, وفي صباح اليوم التالي وجدوه مشنوقاً ومعلقاً بشجرة, وقد ترك رسالة يقول فيها: (إن المسؤول الذي يعجز عن إيصال خدمات المياه لأبناء مدينته لا يستحق الحياة), وهكذا انتحر (فوكودا) تضامنا مع اسر الضحايا, ولشعوره بالذنب والتقصير في حادثة لم يكن طرفا فيها, لكنه خجل من نفسه لأنه لم يقدر على تأمين مياه الشرب للعطشى, فأختار الانتحار شنقا على طريقة الساموراي, واختار الموت بشرف لذنب لم يقترفه, لكن مشاعره الصادقة, وانفعالاته الإنسانية المرهفة هي التي رسمت له الطريق للالتحاق برعيل الفرسان. .
للإهمال والتقصير صور كثيرة, ومعايير متباينة, تختلف من مكان لآخر، ومن زمان لزمان, ومن قوم لقوم, فما كان يراه فوكودا فسادا, لا يراه غيره كذلك, وما كان يراه تقصيراً, قد لا يراه مدير بلديتنا, وقد لا يعبء به بالمرة, فليس من عادة مدراء البلديات عندنا الاهتمام بالنواحي الخدمية بالمستوى الذي بلغته اليابان من الحرص والتفاني, فكان فوكودا أول الذين ماتوا ألما وحزنا وتعاطفا مع شعبه, لأنه كان يستحي من نفسه, وهو يرى أبناء مدينته يمزقهم الزلزال من دون أن يقدر على انتشالهم وإسعافهم ونجدتهم. .
ربنا مسنا الضر وانت ارحم الراحمين