بقلم : أياد السماوي …
في مقالنا السابق ( من الذي يعطي الشرعية لمؤسسات الدولة الاتحادية والإقليمية ؟؟ ) في 16 / 3 / 2022 , كنّا قد عرضنا على الرأي العام العراقي مسألة غاية في الأهمية , مفادها أنّ المحكمة الاتحادية العليا يمكنها سحب الشرعية من مجلس النواب العراقي في حالة إخلال المجلس بواجباته الدستورية وعدم التزامه التام بأحكام الدستور , باعتبار أنّ الدستور هو الذي يعطي الشرعية لكافة مؤسسات الدولة الاتحادية والإقليمية .. والحقيقة أنّ هذا الرأي الذي انفرد به كاتب هذا المقال والمستند إلى قرار المحكمة الاتحادية المرّقم ( 23 وموحدتها 25 / اتحادية / 2022 ) , قد شّكلّ صدمة للكثير من رجال السياسة والقانون والمهتّمين بالشأن السياسي العراقي , فحالة الانسداد السياسي التي يمرّ بها البلد والتي تسببت في التجاوز على التوقيتات الدستورية , قد جعلت الجميع يسأل ما العمل وكيف السبيل للخروج من هذا المأزق الدستوري ؟؟ .. فالدستور العراقي لم يعالج هذه المشكلة ولم يضع لها حلولا , وحتى المادة (64/أولا) التي نصّت على ( يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء ) قد وضعت طريقان لا ثالث لهما لحل مجلس النواب , حيث لم يجر في ذهن المشرّع العراقي أنّه سيأتي يوما تختلف فيه القوى السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية , وهذا الاختلاف سيؤدي إلى إدخال البلد في مأزق دستوري وسيؤدي إلى عدم تمكين مجلس النواب من الالتزام التام بواجباته الدستورية المنصوص عليها في المادة (61/ثالثا) من الدستور ..
ويبدو أنّ المحكمة الاتحادية العليا قد تنبّهت لهذا المأزق الدستوري الذي يمرّ به البلد ولم يعالج في الدستور العراقي .. فوضعت المحكمة مبدئا دستوريا جديدا منبثقا من نصوص وروح الدستور , وهذا المبدأ الجديد قد ورد في قرار المحكمة الاتحادية المرّقم ( 23 وموحدتها 25 / اتحادية / 2022 ) , المبدأ الجديد قائم على أساس التزام مجلس النواب التام بأحكام الدستور , حيث نصّ قرار الحكم على ( .. وأنّ كلّ ذلك يفترض الالتزام التام بأحكام الدستور باعتبار أنّ الدستور هو الذي يعطي الشرعية لمؤسسات الدولة الاتحادية والإقليمية , وبخلافه تفتقد تلك المؤسسات شرعيتها ) .. وبهذا المبدأ الدستوري الجديد تكون المحكمة الاتحادية العليا قد امتلكت سلطة سحب الشرعية من أيّ مؤسسة اتحادية أو إقليمية لا تلتزم بأحكام الدستور .. ولو افترضنا أنّ حالة الانسداد السياسي قد استمرّت إلى ما بعد جلسة مجلس النواب المقرّرة في 26 / 3 / 2022 ولم تتوّصل الكتل السياسية إلى توافق على رئيس الجمهورية , فمن المؤكد أنّ استمرار مجلس النواب بعدم الالتزام بواجباته الدستورية المنصوص عليها في المادة (61/ثالثا) , سيضع المحكمة الاتحادية أمام واجباتها الدستورية والتاريخية المتمّثلة بحماية النظام الديمقراطي وستسحب الشرعية من مجلس النواب الذي أخلّ بواجباته الدستورية المنصوص عليها في المادة (61/ثالثا) من الدستور , وفي هذه الحالة يفقد مجلس النواب شرعيته الدستورية ويعتبر منحلّا .. وبما أنّ المادة (64/ثانيا) من الدستور قد نصّت على ( يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية ) , ففي هذه الحالة يدعو رئيس الجمهورية إلى انتخابات نيابية جديدة في مدّة أقصاها ستون يوما .. وبما أنّ الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال وليس من مهامها إجراء انتخابات جديدة , ففي هذه الحالة يتوّلى رئيس الجمهورية برهم صالح القيام بمهام رئيس الوزراء استنادا إلى المادة (81/أولا) من الدستور التي نصّت على ( يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لأي سببٍ كان ) .. وليس هنالك من حلّ دستوري غير هذا الحل .. وأنا من الداعين لسحب الشرعية من مجلس النواب الحالي وإجراء انتخابات نيابية جديدة في حالة فشله في انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة القادمة لمجلس النواب , وادعو رئيس الجمهورية برهم صالح القيام بواجباته الدستورية المنصوص عليه في المادتين ( 64/ثانيا و 81/أولا ) من الدستور للخروج من هذا المأزق الدستوري وحماية النظام الديمقراطي بالتنسيق مع المحكمة الاتحادية العليا الضامن الوحيد لحماية نظامنا الديمقراطي ..
أياد السماوي
في 18 / 03 / 2022