بقلم : سرى العبيدي …
ونحن نغادر عام ونبدأنا بقضم عام آخر، وكي نعرف أهمية الوقت في حياتنا، ونعرف كيف ننضمه ونستفيد منه الفائدة المرجوة من الضروري جدا أن نذكر ببعض خصائص وميزات الوقت..
مما لاشك فيه أن العام الحالي سينقضي بسرعة رهيبة، لأن الوقت سريع الانقضاء، وتلك حقيقة يجب أن نتذكرها دائما. وإذا لم نشد الأحزمة ومن الآن، فإن هذا العام سيمر بنا مسرعا، كما مرت بنا أعوام وعقود من قبله، وسيتركنا ـ كما تركتنا تلك الأعوام والعقود ـ على قارعة أيامه الأخيرة، في حالة صدمة شديدة بسبب غياب الإنجاز…يعني حرام ان يذهب الوقت بلا إنجاز!
ما مضى من الوقت لن يعود أبدا، والساعات التي مضت من العام الجديد، لن تعود أبدا، حتى ولو ندمنا كثيرا على تضييعها، وحتى ولو تمنينا أن نستعيدها من أجل استغلالها فيما هو أهم.
الوقت هو أنفس ما نملك، وللأسف كثير منا ينفق أغلى ما يملك فيما لا يفيد..
الوقت هو المورد الوحيد على هذه الأرض الذي وُزِّعَ بين الناس بالتساوي، فكل واحد منا يُمْنَحُ في كل يوم 24 ساعة، لا تزيد ولا تنقص بثانية واحدة، ولكن الفرق بيننا سيتمثل في أن بعضنا سيستثمر وقته بشكل جيد فيحقق بذلك المزيد من النجاح، وبعضنا الآخر سيضيع تلك الأيام والأسابيع والأشهر، فيخسر بذلك عام كما خسر من قبله سنين عددا.
إن الفرق بيننا يتمثل في طريقة إدارتنا للوقت ، فبعضنا سيتمكن من السيطرة على هذا العام كما سيطر على أعوام من قبله، وسيستطيع بالتالي أن يروضه وأن يديره بشكل جيد وفعال، وبعضنا الآخر سيتحكم فيه الوقت وسيسيطر عليه، ليعيش أيامه ولياليه في فوضى عارمة خالية من أي إنجاز يذكر.
إن الإدارة الجيدة للوقت هي التي ستمكننا من السيطرة على الوقت وعلى أنفسنا، وسيتيح لنا ذلك أن نعمل بطريقة أفضل، لا بمشقة أكبر، كما يُخَيَّلُ للبعض..
من أجل إدارة جيدة للوقت فثمة نقاط يجب مراعاتها.
الأولى؛ يتعين ان تحدد بداية ونهاية لكل عمل تريد إنجازه، ولا تترك وقت تنفيذ المهام وتأدية الأعمال مفتوحا على طول.
إن من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها أغلبنا هو أننا ننشغل بمهام وأعمال دون أن نحدد لها وقت بداية أو نهاية فنُضيع بذلك أوقاتا ثمينة دون أن نبدأ في تلك المهام أو أن ننهيها، وبالتالي دون أن يكون بإمكاننا أن نتفرغ لمهام أخرى، فتتراكم المهمة على المهمة، وتتداخل المهام دون أن ننجز أيا منها ، فندخل بذلك في فوضى التخبط وتشتيت الجهد.
لا بأس بشيء قليل من المرونة، ولا بأس بترك هامش قصير لتعديل توقيت البداية والنهاية حسب الضرورة، ولكن ذلك الهامش يجب أن يظل محدود المدة دائما.
الثانية؛ يجب تخصيص أوقات ذروة عطائك للأولويات وللأهم ثم الأهم، لأن لكل واحد منا أوقات ذروة وأوقات صفاء ذهني تكون فيها قدرته على التركيز أكبر، ويكون فيها أكثر نشاطا. كما أن لكل واحد منا أوقات خمول يكون فيها غير نشط، ويكون فيها حضوره الذهني وتركيزه في أدنى المستويات. إن ما يمكن أن ننجزه من أعمال في ساعة واحدة من ساعات أوقات الذروة قد لا نستطيع أن ننجزه خلال عدة ساعات من أوقات الخمول، ولذا فيجب أن نحرص دائما على أن نخصص أوقات الذروة للأولويات وللأمور المهمة، على أن نترك أوقات الخمول للأمور غير المهمة في حياتنا. وأوقات الذرة في الغالب هي الساعات الأولى من صباح كل يوم، وقد تكون في المساء أو الليل بالنسبة للبعض، فمثل هذه الساعاتإنها أثمن وأنفس من أن تضيع، فعلى الطالب أن يخصصها للدراسة، وعلى العامل أن يخصصها للإنتاج وإعداد التقارير، وعلى الأستاذ أن يخصصها للتحضير لدرسه، وعلى الباحث والمفكر والكاتب أن يخصصوها لإنتاجهم الفكري، وهم إن فعلوا ذلك فسيجدون لا محالة فراغات في بقية اليوم.
الثالثة؛ ركز لتربح المزيد من الوقت..إننا نبدو في زمننا هذا في غاية الانشغال، وعندما تسأل أي واحد منا عن العمل وعن الانشغالات يقول لك بأن المهام والانشغالات كثيرة وبأن الوقت لا يكفي لتأديتها.إن على من يقول بذلك أن يركز في عمله ليربح فائضا من الوقت، وعندها سيجد بأنه قد أنجز ما كان عاجزا عن إنجازه في ساعات اكثر. إن التركيز الجيد في العمل سيمكننا من ربح ساعات ثمينة ومن زيادة وقت الفراغ لمن يبحث عن وقت فراغ يخصصه للأمور الأقل أهمية.
الرابعة؛ لقد تعودنا في هذه الحياة أن نحرس ممتلكاتنا وأموالنا، وأن لا نتركها عرضة للصوص، ولكننا لم نتعود حراسة أغلى وأنفس ما نملك، أي أوقاتنا. إن وقتك يحتاج هو لحراسة، فهناك لصوص كثر يريدون سرقته منك، فلا تسمح لهم بذلك. ومن لصوص الوقت المكالمات والدردشة في مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة مباريات كرة القدم لساعات طوال، ومنها الزيارات المفاجئة والاجتماعات العبثية التي لا تناقش شيئا مفيدا , أخطر ما يقوم به لصوص الوقت هو أنهم لا يسرقون وقتك فقط، بل إنهم يسرقون معه تركيزك، ومن أجل استعادة تركيزك بعد كل عملية سرقة، فأنت بحاجة إلى وقت إضافي آخر حتى تستعيد من جديد تركيزك.
خلاصة القول هي أنك إذا حددت بداية ونهاية لكل عمل، وخصصت أوقات ذروة عطائك للأولويات، وركزت في عملك، وأقمت نظام حراسة جيد ضد لصوص الوقت، فلا شك أنك بذلك ستكسب التحدي، وستجعل من سنتك سنة إنجاز وتميز. أما في حالة تهاونك بهذه النصائح فالراجح أنك ستضيع هذه السنة كما ضيعت سنين وعقودا من قبلها.