بقلم : فالح حسون الدراجي …
سألني أحد الأصدقاء قائلاً: يعجبني فيكم وفاؤكم لرفاقكم وأصدقائكم، عكس الكثير من الآخرين!
قلت ماذا تقصد؟
قال شهداؤكم!
قلت من مثلا؟
قال: مثل الشهيد بشار رشيد، وعشرات غيره ..
قلت لأنهم نحن، فهل ينسى المرء نفسه؟
نتذكر بشار لأنه جميل ونبيل وراق.. بشار القوي، رغم رقته، وعواطفه الإنسانية الجياشة.. والصلب، رغم عذوبته، وشفافيته، ومرونته الفريدة.. ولأنه ثابت، وشامخ، وعنيد، رغم أن دمعته على طرف عينه (وبس يرمش تطيح) .. ولأنه مفتاح المحبة الذي تفتتح به، وبعشقه الوطني كل أقفال الزمان المتشددة.. ولأنه شهيد الرياضة بامتياز.. وشهيد مدينتنا الباسلة: مدينة الثورة، بامتياز أيضاً. ولأنه أحد شهداء الحزب الشيوعي الأشاوس، حزب فهد، وسلام عادل، وجمال الحيدري، وجواد العطية، ومحمد حسين ابو العيس وحسن السريع، وشمران الياسري وعايدة ياسين وخيون حسون الدراجي وخالد حمادي وغائب حوشي، وعمار جابر( شقيق اللاعب الدولي والصحفي الرياضي منعم جابر)، وطارق محمد صالح( شقيق اللاعب الدولي مؤيد محمد صالح)، وكاظم طوفان، ورشدي العامل، وبحر الخالدي، وسالار نوري صالح عزيز ، وسلام سعيد رمضان الكيلاني، وهاشم عودة السيد، وسعدي لايج صايغ، وعلي جازع صلفي، وحميد بطي خلف، ورجاء مجيد محمد الشمري، ومنعم ثاني المكصوصي، وحميد ناصر الجيلاوي، ورياض وليد ظهر وشقيقه خليل وليد ظهر ، ونادية كوركيس حنا (شقيقة اللاعب الدولي باسل كوركيس) وجواد كاظم عبود ( ابن اللاعب الدولي كاظم عبود).. وغيرهم من الأبطال الذي أنشدوا للوطن والشعب وللحزب الشيوعي، وهم يرتقون أعواد المشانق، أو يتقطعون إرباً إرباً في مثارم وأحواض وآلات الموت البعثية الفاشية.. قبل أربعة واربعين عاماً، وتحديداً في مثل هذا اليوم تلقت مدينة الثورة بشكل خاص، ومدن العراق بشكل عام، نبأ إعدام اللاعب الكبير بشار رشيد، مع ستة وعشرين عراقياً آخر بتهمة الإنتماء للحزب الشيوعي العراقي.. وكلما أستذكر تلك الأمسية المفجعة التي حلت علينا عند وصول ذلك النبأ، أتذكر معها شجاعة شباب مدينة الثورة، وخصوصاً الرياضيين منهم، لاسيما أصدقاء الشهيد بشار وزملائه أمثال الراحل الكبير كاظم عبود، واللاعب الدولي رسن بنيان والبطل الراحل حسن بنيان وعبد الحسين حريب وحسن حريب، وعلي مانع والشهيد لعيبي فرحان، وجبار نعمة، وفريق، وخاشوك، وغيرهم من الرياضيين الأوفياء.. حين قام هؤلاء بما يتعارض تماماً مع أوامر، وتعليمات السلطة الغاشمة والمتمثلة بعدم إقامة الفاتحة، وعدم تسريب النبأ خارج القطاع، وعدم تشييع الجنازة، أو مرافقتها الى النجف، وعدم التجمع أمام بيت الشهيد، بل ومنع التواجد حتى داخل البيت أيضاً. لكن الشباب تجاهلوا هذه الأوامر، بل وزادوا على ذلك أن قام عدد كبير منهم بارتداء القمصان السود لمدة أربعين يوماً حزناً واحتجاجاً على هذا العمل الإجرامي. ولم يكن المرحوم بشار وحده من كسر ظهرنا وجعاً بهذا الحكم الجائر إنما كان معه أيضاً باقة من شباب المدينة أمثال الشهيد شاكر رحيم، والشهيد عباس عبد حسن وغيرهما، وربما يقول البعض : كيف أعدم هؤلاء الشباب الشيوعي، والجبهة ( أو الچبحة ) كما يسميها الراحل الكبير ابو گاطع قائمة آنذاك؟ والجواب : أن صدام أراد إعدام هذه الكوكبة ليسقط الجبهة عبر إعدامهم، وسقوط الجبهة بمثابة ساعة الصفر لتنفيذ مشروعه المتمثل بالإستيلاء على الموقع الأول في السلطة. لأن من المستحيل تنفيذ هذا المشروع، والشيوعيون شركاء له، لاسيما وأن للحزب الشيوعي العراقي تأثيراً كبيراً وقوياً في حركة التحرر العربي وفي ساحة النضال الأممي الممتد من الاتحاد السوفيتي حتى أثيوبيا والصومال وأرتيريا. وقطعاً فإن الشيوعيين سيرفضون الموافقة على تنفيذ مشروع صدام الإجرامي فهم أشرف من أن يبصموا على تأييد جريمة حتى لو كان الضحية فيها بعثياً مثل البكر .. علماً أن الموقع الأول في السلطة يفتح الأفق واسعاً أمام صدام للتوجه نحو مشاريع الحروب والإبادات .. وهذا ما حصل بعد ذلك!! وللأسف، فقد كان النجم الكبير بشار رشيد ورفاقه ثمناً لطمع صدام، وجسراً لمشاريعه الفاشية، وعذراً –وإن كان العذر سخيفاً – يتعكز عليه صدام في اغتيال كوكبة وطنية باسلة.. لكن التاريخ لا يرحم.. فقد مضى صدام الى مزبلة التاريخ، وظل بشار رشيد أيقونة للشهادة، وسنديانة للشهداء الميامين، إذ بقي ويبقى عطره زكياً في حدائق الحب والجمال جيلاً بعد جيل، وتظل قيمه النبيلة التي زرعها في ضمائرنا خالدة الى الأبد.. إذ ليس من السهل، بل من المستحيل نسيان جبل شاهق مثل بشار رشيد ..