بقلم : عدنان الفضلي ..
حين يجتمع السناء والبهاء والعذوبة.. ما الذي جمع (العراقي) و (الحلفي) و(الدراجي) عند أسوار ثانوية قتيبة؟
مذ تأسست صحيفة الحقيقة، وهي تجتهد لتكون مناراً ومنبراً لصوت الفقراء والكادحين، وفناراً يدلّ سفن الإبداع على موانئ الصدق والجمال والنضال، فلم تقف صامتة يوماً ما أمام من يريد طمس الهوية العراقية وهدم الذاكرة الجمعية للشعب العراقي.
في الأيام الأخيرة، تصدّت جريدة الحقيقة لموضوعة مهمة تتعلق بقرار سيء ومسيء للمناضلين العراقيين وأبناء مدينة الثورة، يقضي ببيع أو استثمار مبنى (ثانوية قتيبة) في واحدة من الشطحات الجديدة لسياسيي ومسؤولي عراق ما بعد 2003 الذين لا تتوقف مهازلهم.
في أعداد متلاحقة كان للحقيقة أكثر من صوت يطالب بإلغاء هذا القرار المريب الذي يريد هدم ذاكرة عراقية تمتد لأكثر من ستة عقود من الزمن.
حيث كتب وبمهنيته وشجنيته الجنوبية رئيس التحرير الزميل (فالح حسون الدراجي)، افتتاحية أحد الأعداد وجاءت تحت عنوان ساخر (إعدادية قتيبة للبيع.. فمن يشتري؟) تناول فيها هذا القرار غير المقبول والمرفوض جملة وتفصيلاً سارداً عبر أثير ينقل المطبوع والمسموع جماليات المكان العظيم المسمى (ثانوية قتيبة) وكتبت (أنا) مقالاً في الصفحة الأخيرة تحت عنوان (إلّا ثانوية قتيبة) ثم نشرنا وبحجم صفحة كاملة، قطعة نثرية تاريخية، كتبها الشاعر الكبير (كريم العراقي) يستعرض من خلالها جوانب عدة من تاريخ هذه المدرسة أو الكيان الثقافي والنضالي المسمى (ثانوية قتيبة).
بالأمس أرسل لي صديقي وأستاذي (فالح حسون الدراجي) مجموعة رسائل صوتية متبادلة بينه وبين الشاعر المبدع (كريم العراقي)، والشخصية الوطنية والقيادي الصلد في الحزب الشيوعي العراقي الصديق (جاسم الحلفي)، وفي هذه الرسائل ثمة حميمية كبيرة بين الأصدقاء الثلاثة، ومن بين تلك الرسائل، ثمة إضاءة رائعة خرجت من مصباح (الحلفي) أنارت المساحة التي كتبها (العراقي) حيث أخرج (الحلفي) من معطف نبله ووعيه وثقافته وعراقيته، كلمات تشيد بالقطعة النثرية التي كتبها (العراقي) حيث يقول مادحاً بصدق أن “ماكتبه (كريم العراقي) ليس استذكاراً وحسب بل هي سيرة تأريخية باذخة التفاصيل، كونها مرّت على مراحل مضيئة لثانوية قتيبة، وتعاضدت مع صنّاع الثقافة والوعي والجمال الذين كانوا قادة مؤثرين في النسق الوطني، ومؤثرين أيضاً في تحسين الذوق العام لأبناء مدينة الثورة، بما يمتلكون من مواهب إبداعية وحسّ وطنيّ كبير”.
الحلفي يتحدث عن الكنوز التي خرجت من جلباب ثانوية قتيبة، في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، تلك الكنوز المذهلة هي التي قادت الوعي والثقافة العراقية الأصيلة، وارتقت بها الى أعلى المصافات، ولم يتوقف حديث الحلفي عند مثقفي ومناضلي تلك الثانوية بل تحدث عن كنوز الرياضة والعلم، فضلاً عن ذاكرة المدينة الأخرى المتمثلة بشخصياتها العشائرية الكبيرة وكذلك الشخصيات الظريفة التي سكنت مدينة الثورة.
كلمات (الحلفي) كان لها وقعها في مسامع (العراقي) الذي كان للتو قد تناول جرعة جديدة من علاجه (الكيماوي) حيث طلب من الزميل رئيس التحرير (الدراجي) أن تنشر كلمات (الحلفي) في إحدى صفحات (الحقيقة)، وقال بالحرف “هذه ليست تعقيباً أو تعليقاً، بل هي شهادة كبيرة من رجل يحمل الهمّ العراقي، وقد رفعت هذه الكلمات من معنوياتي وبددت أوجاعي وآلامي ومنحتني دفعة من معنويات عالية”.
مابين (الحلفي) و (العراقي) وقفت جريدة الحقيقة ممثلة بشخص رئيس تحريرها (الدراجي) في المنتصف لتكون وسيلة تواصل بين شخصيتين كبيرتين، فالشاعر (كريم العراقي) يمثل واجهة كبيرة للثقافة العراقية، والسياسي (جاسم الحلفي) يعدّ أحد أبرز وجوه التنوير السياسي والثقافي، وبالتالي كنا نقف بين مصباحين منيرين.
من وجهة نظري أن قطعة النثر التي كتبها (كريم العراقي) تتفق مع ذائقة ونقاء (جاسم الحلفي) لذلك كان التواشج جنوبياً يحمل رائحة الطين والماء والقصب السومري، كيف لا وهما من نهل من مدرسة جنوب الله الممتدة مثل حارس لهذا الوطن الملبد بغيوم سود وساسة لا يجيدون سوى الفضاضة والبذاءة واللصوصية وسفك الدماء.
ختاماً، لا بد أن أنثر قمح الإمتنان لأساتذتي (العراقي) و (الحلفي) و (الدراجي) كونهم حركوا في داخلي عضلة الاستفزاز الكتابي، لأعيش أجواءهم الجنوبية العذبة وأسطر هذه المفردات التي لا أريد من خلالها سوى الإنحناء أمام ثلاثة كبار في المشهد العراقي المفتوحة أقبيته على الجمال والوعي والثقافة والوطنية، وأستثمر الفرصة لأتوجه باسمي وجميع أسرة تحرير جريدة الحقيقة، بالدعاء لكبيرنا وشاعرنا المبدع (كريم العراقي) بالشفاء التام والعاجل، والخروج من محنته الصحية من دون خسائر، ليعود لنا ألقاً وشعراً وبهاء.